الجزء الأول | الحمد لله [ الواحد العدل ] الحمد لله الذي تفرد بالكمال ، فكل كامل كامل سواه منقوص ، واستوعب عموم المحامد والممادح ، فكل ذي عموم عداه مخصوص ، الذي وزع منفسات نعمه بين من يشاء من خلقه ، واقتضت حكمته أن نافس الحاذق في حذقه فاحتسب به عليه من رزقه وزوى الدنيا عن القفضلاء فلم يأخذها الشريف بشرفه ، ولا السابق بسبقه ، وقدم المفضول على الأفضل لمصلحة اقتضاها التكليف ، واختص الأفضل من جلائل المآثر ونفائس المفاخر بما يعظم عن التشبيه ، ويجل عن التكييف ، وصلى على رسوله محمد ، الذي المكنى عنه شعاعه من شمسه ، وغصن من غرسه ، وقوة من قوى نفسه ، ومنسوب إليه نسبة الغد إلى يومه واليوم إلى أمسه ، فما هما إلا سابق ولاحق وقائد وسائق وساكت وناطق ، ومجل ومضل ، سبقا لمحة البارق ، وأنارا سدفه الغاسق ، صلى الله عليهما ما استخلب خبير ، وتناوح جراء وثبير . وبعد ، فإن مراسم المولى الوزير الأعظم ، الصاحب ، الصدر الكبير المعظم العالم العادل المظفر المنصور المجاهد ، المرابط ، مؤيد الدين عضد الإسلام ، سيد وزراء الشرق والغرب ، أبي طالب محمد بن أحمد بن محمد العلقمي ن نصير أمير المؤمنين _ أسبغ الله عليه من ملابس النعم أضفاها ، وأحله من مراقب السعادة ومراتب السيادة أشرفها وأعلاها _ أيما شرقت عبد دولته ، وربيب نعمته بالاهتمام بشرح ' نهج البلاغة ' على صاحبه أفضل الصلوات ، ولذكره أطيب التحيات - بادر إلى ذلك من بعثه من قبل عزم ثم حمله أمر جزم ، وشرع فيه بادي الرأي شروع مختصر ، وعلى ذكر الغريب والمعنى مقتصر ، ثم تعقب الفكر ، فرأى أن هذه النغبة لا تشفى أواما ، ولا تزيد الحاتم إلا حياما ، فتنكب ذلك المسلك ، ورفض ذلك المنهج ، وبسط القول في شرحه بسطا اشتمل على الغريب والمعاني وعلم البيان ، وما عساه يشتبه ويشكل من الإعراب والتصريف ، وأورد في كل موضع ما يطابقه من النظائر والأشباه ، نثرا ونظما ، وذكر ما يتضمنه من السير والوقائع والأخحداث فصلا فصلا وأشسار إلى ما ينطوي عليه من دقائق علم التوحيد والعدل إشارة خفيفة ، ولوح إلى ما يستدعي الشرح ذكره من الأنساب والأمثال والنكت تلويحات لطيفة ، ورضعه من المواعظ الزهدية ، والزواجزالدينية ، والحكم النفسية ، والآداب الخلقية ، المناسبة لفقره ، والمشاكلة لدرره ، والمنتظمة مع معانيه في سمط ، والمنسقة مع جواهره في لط ، بما يهزأ بشنوف النضار ، ويحجل مع الروض غب القطار وأوضح ما يومئ إليه من المسائل الفقهية ، وبرهن على أن كثيرا من فصوله داخل في باب المعجزات المحمدية ، لاشتمالهاغ على الأخبار الغيبية ، وخروجها عن وسع الطبيعة البشرية . وبين من مقامات العارفين ، التي يرمز إليهخا في كلامه ما لا يعقله إلا العالمون ، ولا يدركه إلا الروحانيون المقربون ، وكشف عن مقاصده عليه السلام في لفظة يرسلها ، ومعضلة يكنى بها ، وغامضة يعرض بها . وخفايا يجمجم بذكرها ، وهنات تجيش في صدره فينفث بها نفثه المصدور ، ومرمضات مؤلمات يشكوها فيستريح بشكواها استراحة المكروب . فخرج هذا الكتاب كتابا كاملا في فنه ، واحدا بين أبناء جنسه ، ممتعا بمحاسنه ، جليلة فوائده ، شريفة مفاصده ، عظيما شأنه ، عاليبة منزلته ومكانه ، ولا عجب أن يتقرب بسيد الكتب إلى سيد الملوك ن ، وبجامع الفضائل إلى جامع المناقب ، وبواحد العصر إلى أوحد الدهر ، فالأشياء بأمثالها أليق ، وإلى أشكالها أقرب ، وشبه الشئ منجذب ، ونحوه دان ومقترب . | ولم يشرح هذا الكتاب قبلي - فيما أعلمه - إلا واحد ، وهو سعيد بن هبة الله بن الحسن الفقيه المعروف بالقطب الراوندي ، وكان من فقهاء الإمامية ، ولم يكن من رجال هذا الكتاب ، لاقتصاره مدة عمره على الاشتغال بعلم الفقه وحده ، وأنى للفقيه أن يشرح هذه الفنون التنوعة ، ويخوض في هذه العلوم المتشعبة لا جرم أن شرحه لا يخفى حاله عن الذكي ، وجرى الوادي فطم على القرى ، وقد تعرضت في هذا الشرح لمناقضته في مواضع يسيرة اقتضت الحال ذكرها وأعرضت عن كثير مما قاله ، إذ لم أر في ذكره ونقضه كبير فائدة . وأنا قبل أن أشرع في الشرح أذكر أقوال أصحابنا رحمهم الله في الإمامة والتفضيل والبغاة والخوارج ، ومنبع ذلك بذكر نسب أمير المنؤمنين عليه السلام ، ولمع بسيرة من فضائله ، ثم أثلث بذكر نسب الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين الموسوي رحمه الله ، وبعض خصائصه ومناقبه ، ثم أشرع في شرح خطبة ' نهج البلاغة ' التي هي من كلام الرضي أبي الحسن رحمه الله ، فإذا انتهيت من ذلك كله في شرح كلام أمير المؤمنين عليه السلام شيئا فشيئا . | ومن الله سبحانه أستمد المعونة ، وأستدر أسباب العصمة ، وأستميح عمائم الرحمة ، وأمتري أخلاف البركة ، وأشيم بارق النماء والزيادة ، فما المرجو إلا فضله ، ولا المأمون إلا طوله ، ولا الوثوق إلا برحمته ، ولا السكون إلا إلى رأفته ، ^ ( ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير * ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم ) ^ | |
مخ ۱۰