الصحابة كأبي بكر (١) وعمر (٢) ﵄ مشتغلين بالعمل في غاية من الرعاية مشتغلين عن نقل الأحاديث والرواية، لأن العمل هو المقصود، والمعول في مقام الهداية والنهاية، وأنشد فارس بن االحسن في شعره المستحسن.
يا طالب العلم الذي ... ذَهَبتُ بمدته الرواية
كن في الرواية ذا العناية ... بالدراية والرعاية
وارو القليل وراعه ... فالعلم ليس له نهاية
ومن المعلوم أن [من] لم يكن محيطًا بعلم الكتاب والسنة لم يتصور أن يكون إمامًا مقتدى للأمة، ويكون الفقهاء كلهم عيالًا له في تقويم الملة لا سيما في الصدر الأول مع وجود المجتهدين من الأئمة، وقال الطحاوي: حدثنا سليمان بن شعيب، حدثنا أبي قال: أملى علينا أبو يوسف، قال قال أبو حنيفة: لا ينبغي للرجل أن يحدث من الحديث إلا ما يحفظه من يوم سمعه إلى يوم يحدث به، وحاصله: أنه لم يجوِّز له الرواية بالمعنى، ولو كان مرادفًا للمبنى خلافًا للجمهور من المحدثين، فإنهم جوزوا رواية المعنى لا سيما عند نسيان المبنى.
فقلت رواية أبي حنيفة لهذه العلة الشريفة، وله (٣) ﵁ مسانيد كثيرة وأسانيد شهيرة بلغت خمسة عشر مسندًا جمعها بعض الفضلاء واعتنى بضبطها طائفة من العلماء، وأخيرها هذا المسند المعتمد الذي هو من رواية الخصكفي بفتح الخاء
_________
(١) قال النووي: روى الصديق عن رسول الله ﷺ مائة حديث واثنين وأربعين حديثًا، قال في التعليقات الممجدة: فإن مرتبته (يعني الإمام الأعظم) في هذا تشابه المرتبة الصديقية، فإن كان هذا المعنى كان أبو بكر الصديق أفضل البشر بعد الأنبياء بالتحقيق مطعونًا فإنه أيضًا قليل الرواية بالنسبة إلى بقية الصحابة حاشاهم ثم حاشاهم عن هذه الوسمة. مشتاق أحمد.
(٢) قال في تاريخ الخلفاء: روي له عن رسول الله ﷺ خمسمائة حديث وتسعة وثلاثون حديثًا، وروي لعثمان رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله ﷺ مائة حديث وستة وأربعون حديثًا، ولعلي ﵁ خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثًا.
(٣) أقول: مراد الشارح أن مرويات الإمام الأعظم جمع كلها بعض العلماء في تصانيفهم حسب علمهم كما في مسند الخوارزمي لقاضي القضاة، وفي هذا المسند أعني الخصكفي وغيرهما لا أن الإمام ﵁ صنف مسندًا بنفسه كما صنف الإمام مالك ﵁ كتابه الموطأ، فما اعترض بعض أهل الزمان من أهل الظواهر أن نسبة المسند إلى الإمام الهمام غلط صدر عن قلة فهمه وشدة جهله. مشتاق أحمد.
1 / 7