============================================================
مقدمة المؤلف وافعاله فإنه تعالى جامع لجهات علو الشان، لا يتطرق إلى سرادقات قدسه شائبة النقصان (الجلي برهانه) حجته القاطعة التي نصبها دالة على وجود ذاته، واتصبافه بكمالاته وهي آياته المنبثة في الآفاق والأنفس، تجتليها بصائر أولي الأبصار، وتشاهد بها أسرارا يضيق عن تصويرها نطاق الإظهار (القوى سلطانه) سلطنته ونفاذ حكمه إذ لا يستعصي على إرادته شيء من الأشياء، ولا يجري في ملكوته إلا ما يشاء (الكامل حوله) قوته المحمولة للممكنات من حال إلى حال إيجادا وإفناءا، إعادة قوله: (فبسمل أولأ تمينا) فإن قلت : ليس للبسملة مدخل في الإشارة المذكورة، لأن البسملة مما يطرد في أول كل كتاب من كل فن، فلا تحصل بها الإشارة، إلى المقاصد الآتية، فلا وجه للفاء. قلت: تضمن خطبة كتابه الإشارة إلى مقاصد علم الكلام إنما يستحن ويعتد به، ويمد تفوقا في ابتداء الكتاب بعد رعاية التيمن ببسم الله، فكأنه قال: أراد التضمين المذكور فبسمل أولا تيمنا ليعتد بذلك التضمن، فالفاء حينيذ أصاب موقعه، على أنها قد تجيء لمجرد الترتيب كما ذكره ابن هشام في مغني اللبيب، وله امثلة كثيرة في القرآن المجيد، والظاهر أن البسملة متأخرة زمانا عن التضمين الذي أريد به سببه اعتي الإرادة، وقد يتوهم أنه آراد بالتضمين المذكور الإيراد في ضمن الخطبة اي اثنائها، فللبسملة مدخل في ذلك حينيد إذ لو لم يبسمل اولا لكانت الإشارة في أول الخطبة لا في اثنائها، وتقدم جملة الحمدلة لا يكفي لأن قوله العلي شانه الخ سواء اعتير بدلا عن لفظة الله، أو نعتا له من متمماتها، ولا يخفى ما فيه من التعسف، نعم يمكن أن يقال: على تقدير كون البسملة جزءا من الخطبة لفظ التضمين يشعر باشتمال الخطبة على شيء آخر سوى الإشارة المذ كورة، فللبسملة على قصد التيمن مدخل في التضمين وإن لم يكن لها مدخل في براعة الاستهلال وبهذا يظهر حسن موقع الفاء إذا حملت على مجرد الترتيب ايضا، ولو بالنسبة إلى نفس التضمين لأن مرتبة التفصيل متاخرة عن مرتبة الإجمال: قوله: (ثم قال: الحمد لله) إن قلت : ثم للترتيب مع التراخي ولا تراخي للحمدلة عن البسملة لا زمانا ولا رتبة كما هو الظاهر، فما وجه ثم؟ قلت: بعد تسليم عطف مدخول ثم على بسمل، قد ذكرنا في حواشي المطول ان المحققين من النحاة تصوا على أن دلالة ثم على التراخي وجوبا مخصوصة بعطف الفرد قوله: (إلى سرادقات قدسه) أراد بالقدس التنزه عن النقص، وفيه تاكيد لكونه جامعا لجهات علر الشأن، ولذا ترك العطف وبهذا يظهر حسن ارتباطه بما قبله، واندفاع ما قيل: الانسب بالسياق أن يقول: إلى سرادقات كماله كما لا يخفى على المتامل.
قوله: (ولا يجري في ملكوته إلا ما يشاء) لما كان المتبادر من قوله : لا يستعصي على
مخ ۱۳