قال ارسطو وكذلك ابا بعض الناس حقيقة المعرفة فى الاشياء الظاهرة من المحسوسات وليس يمكن ان يقضى على الحق بالكثرة ولا بالقلة فان الشىء الواحد قد يحسه بعض الناس بالذوق حلوا ويحسه بعضهم مرا ويظن انه كذلك فلو كان جميع الناس مرضى او كانوا تغيرت عقولهم وكان الاصحاء منهم الاثنين او الثلثة او الذين لهم عقول اثنان او ثلاثة لظن بهولاء انهم مرضى وانهم قد تغيرت عقولهم وان الباقين ليسوا كذلك وايضا ان كثيرا من الحيوان تظهر لهم الاشياء بضد ما هى عليه ولنا يظهر كذلك ولكل واحد فى ذاته تظهر اشياء فى حواسه على الضد وعلى خلاف ما يظن وليس على ما هى عليه وليس ببين لهم اى هذه حق او باطل لان هذه ليس تودى الى الضد اكثر مما تودى اليه تلك بل هى متشابهة فيما تودى ولذلك قال ذيمقراطيس اما الا يكون حق البتة واما ان يكون لا يبين لنا وبالجملة لما ظنوا ان العقل هو الحس والحس هو اليقين قالوا ان الحق باضطرار ما يظهر بالحس ومن هذه الاراء اعتقد ابن دقليس وذيمقراطيس وكل واحد من الباقين هذه الظنون وصاروا كقول القائل علة لهذه الاقاويل فقد قال ابن دقليس ان من تغيرت بنيته تغير عقله ويقول ايضا برمنيدس مثل هذا القول فانه يقول ان العقل يخص الناس على قدر مزاج اعضاء كل واحد من الناس الكثيرة التغير وافهامهم اجمعون على قدر ذلك وقد ذكر بعض اصحابنا قولا من اقاويل انكساغورش يقول فيه ان الهويات عند الناس على قدر ظنونهم فيها وقد ذكروا ان اوميرش كان يرى قديما هذا الراى بما تبين من قوله فانه ذكر فى شعره لا قطر وقال فيه انه لما ضرب فزع وطار عقله فعقل عقلا اخر كانه كان يرى ان الذين طار عقلهم يعقلون ايضا وهذا ليس هكذا وهو بين انه ان كان فى الحالين جميعا ذا عقل فليس اذا عقل ان الهويات معا وليست هى على حال وعلى خلاف تلك الحال معا ويعرض من الحالين جميعا امر صعب جدا فانه ان كان هولاء هم الذين راوا ما يمكن من الحق اكثر من غيرهم وهم المجدون فى الطلب وان كانت ظنون هولاء على قدر هذا الاختلاف واقوالهم هذه الاقاويل فى معرفة الحق فكيف لا ينبغى لمن اراد ان يشرع فى النظر فى الفلسفة ان تكف عنايته فانه ان كان هذا هكذا فطلب الحق يشبه العدو فى طلب ما يطير التفسير لما بين الشبهة التى افضت الى القول بان الاضداد موجودة معا عند من قال بذلك وحل تلك الشبهة اخذ يذكر ايضا شبهة اخرى عرض من قبلها ايضا ان استنكر اناس اخرون النظر فقالوا ليس حقيقة هاهنا فقال وكذلك ابا بعض الناس حقيقة المعرفة فى الاشياء الظاهرة من المحسوسات يريد وكذلك انكر بعض الناس ان يكون لما تدركه الحواس من المحسوسات حقيقة بان قالوا ان الذى يدركونه بالحس ليس له حقيقة ثم ذكر السبب الذى اداهم الى ذلك فقال وليس يمكن ان يقضى على الحق بالكثرة ولا بالقلة فان الشىء الواحد قد يحسه بعض الناس بالذوق حلوا ويحسه بعضهم مرا يريد انهم قالوا ان السبب فى ان ما يدرك من المحسوسات ليس له حقيقة فى ذاته ان بعض الاشياء يحسها بعض الناس بالذوق حلوا وبعضهم مرا ولا فرق بينها الا ان الذين يحسون الاشياء التى تقال حلوة هم الكثير اعنى الاصحاء والذين يحسونها مرة هم القليل اعنى المرضى ولا يقضى على الشىء انه حق بشهادة الكثير دون القليل ثم ذكر السبب الذى من قبله ردوا على من رد عليهم بان قال ان الذى يدركه الاصحاء هو الحق والذى يدركه المرضى هو باطل لان الاصحاء هم الكثير فقال فلو كان جميع الناس مرضى وكانوا قد تغيرت عقولهم وكان الاصحاء منهم الاثنين او الثلثة او الذين لهم عقول اثنان او ثلثة لظن بهولاء انهم مرضى وانهم قد تغيرت عقولهم وان الباقين ليسوا كذلك يريد وقالوا ولا ينبغى ان يوثق بظن الاصحاء ان المرضى قد تغيرت حواسهم وعقولهم اذ يحسون اشياء غير التى يحسها الاصحاء ويعقلون اشياء غير التى يعقلها الاصحاء ايضا فان العلة فى هذا انما هى الكثرة والقلة فانه لو قدرنا مثلا ان الكثير هم المرضى والقليل هم الاصحاء لانعكس هذا الظن فقيل فى الاصحاء انهم مرضى وان حواسهم وعقولهم تغيرت وان الباقين هم الاصحاء الذين نظرهم صحيح ثم ذكر حجة اخرى لهم فقال وايضا ان كثيرا من الحيوان تظهر لهم الاشياء بضد ما هى عليه ولنا يظهر كذلك ولكل واحد فى ذاته تظهر اشياء فى حواسه على الضد يريد انهم كانوا يحتجون على ذلك المعنى بان قالوا انه يظهر ان كثيرا من الحيوان يدرك من المحسوسات الواحدة بعينها المتضادات وذلك ان منهم من تراه يدبر عن الشىء الواحد بعينه على انه كره وضار ومنهم من يقبل على هذا الشىء على انه لذيذ ونافع ومثل هذا الذى يعرض للحيوان يعرض لنا ايضا مع الحيوان فانا نرى كثيرا من الحيوان تلذه من المطعومات اشياء توذينا وتوذيه اشياء تلذنا وقوله ولنا يظهر كذلك ولكل واحد فى ذاته تظهر اشياء فى حواسه على الضد يريد ومثل ما يعرض للحيوان يعرض للانسان ايضا وذلك انه قد يلذ انسانا ما يوذى غيره ولا يعرض ذلك للناس المختلفين فقط بل والانسان الواحد قد يرى يدرك من الشىء الواحد بعينه بالحس خلاف ما هو عنده بالظن واذا كان ذلك كذلك فليس للمحسوسات فى نفسها حقيقة تدرك وانما هى بحسب المدرك وقوله وليس على ما هى عليه يريد انه معلوم انها ليست على ما يحسها وقوله وليس ببين لهم اى هذه حق او باطل يريد انهم كانوا يقولون لمكان هذا كله فلا يتبين لنا من ذلك ما هو حق او باطل ثم اتا بالسبب فى ذلك فقال لان هذه ليس تودى الى الضد اكثر مما تودى اليه تلك بل هى متشابهة فيما تودى يريد لان الحس الذى يحكم فى الشىء الواحد على احد الضدين ليس حكمه عليه اثبت من حكم الحس الاخر عليه بالضد الاخر مثال ذلك ان الحس الذى يحكم من الحيوان بان ذلك لذيذ ليس حكمه على ذلك اثبت من الحس الذى يحكم منه عليه بانه كره وموذ ثم قال ولذلك قال ذيمقراطيس اما الا يكون شىء حق البتة واما الا يكون يبين لنا يريد ولذلك شك ذيمقراطيس فقال ان اللازم من ذلك هو احد امرين اما الا يكون شىء البتة له حقيقة فى ذاته خارج الذهن واما ان يكون هاهنا شىء له حقيقة فى ذاته ولنا سبيل الى ادراكه ثم قال وبالجملة لما ظنوا ان العقل هو الحس والحس هو اليقين قالوا ان الحق باضطرار ما يظهر للحس يريد والسبب فى غلطهم انهم كانوا يظنون ان العقل هو الحس وانه لا فرق بينهما وكانوا يظنون ان العلم اليقين يدرك بالحس فاعتقدوا لمكان هذا انه ان كان هاهنا علم يقين فهو يدرك بالحس ولما راوا المحسوسات تظهر باحوال مختلفة عند الحس اعتقدوا انه ليس من يقين هاهنا البتة ثم قال ومن هذه الاراء اعتقد ابن دقليس وذيمقراطيس وكل واحد من الباقين هذه الظنون وصاروا كقول القائل علة لهذه الاقاويل يريد ومن قبل هذه الشبهة التى ذكرنا ظن هولاء الناس هذه الظنون وكان ما اشتهر عندهم من ذلك الراى علة للقول به اعنى انهم ظنوا ان الاشياء كلها ظنون وانه ليس حق هاهنا البتة ثم قال فقد قال ابن دقليس ان من تغيرت بنيته تغير عقله يريد ان ابن دقليس كان يقول ان هاهنا عقولا كثيرة لها احكام مختلفة وان كل عقل منها تابع لمزاج خاص ولذلك قال من تبدل مزاجه تبدل عقله اى من انتقل من مزاج الى مزاج انتقل من عقل الى عقل ويحتجون لهذا مما يظهر من تغير العقل فى المرضى لتغير المزاج ثم قال ويقول برمنيدس ايضا مثل هذا القول فانه يقول ان العقل يخص الناس على قدر مزاج اعضاء كل واحد من الناس الكثيرة التغير وافهامهم اجمعون على قدر ذلك يريد فانه كان يقول ان العقول يختص واحد واحد منها بواحد واحد من الناس على قدر بنيتهم وامزجتهم ثم قال وقد ذكر بعض اصحابنا قولا من اقاويل انكساغورش ان الهويات عند الناس على قدر ظنونهم فيها يريد انهم كانوا يعتقدون فى الموجودات انها تابعة لظنون الناس وانه ليس لها وجود خارج النفس الا بحسب ما يعقل منها انسان انسان ثم قال وقد ذكروا ان اوميرش كان يرى هذا الراى بما تبين من قوله فانه ذكر فى شعره لا قطر وقال انه لما ضرب فزع وطار عقله فعقل عقلا اخر يريد وقد يظن فى اوميرش الشاعر انه كان يعتقد ان هاهنا عقولا كثيرة وانها تابعة لانواع المزاج بما قال وقد ذكر فى شعره كذا لرجل معروف عندهم عرض له خبر معروف فانه قال فيه انه لما ضرب فزع وطار عقله فعقل عقلا اخر وقوله كانه كان يرى ان الذين طار عقلهم يعقلون ايضا يريد وذلك ان هذا القول من اوميرش الشاعر يوهم انه كان يرى ان كل من طار عقله لتغير مزاجه فانه يعقل عقلا اخر غير الاول ثم قال وهذا ليس هكذا يريد وليس ما ظنوا من ذلك بحق ثم اخذ يعرف غلطهم فقال وهو بين انه ان كان فى الحالين جميعا ذا عقل فليس اذا عقل ان الهويات معا وليست هى على حال وعلى خلاف تلك الحال معا يريد انه من البين انه وان كان عقل فى الحالين عقلا مختلفا فلا يعقل فى إحداها ان الهويات هوية واحدة او ان الهويات على حال وعلى خلاف تلك الحال معا وانما اراد بهذا انه ليس من شان عقل من العقول ان يعقل ان الهويات المتضادة موجودة معا او هى شىء واحد وقوله ويعرض من الحالين جميعا أمر صعب جدا يريد ان المحال يلزم على اى حال وضع العقل اما على حال هذا العقل الموجود او على خلافها ثم قال فان كان هولاء هم الذين رأوا ما يمكن من الحق اكثر من غيرهم وهم المجدون فى الطلب الى قوله فى طلب ما يطير يريد فان كان هولاء يرون انهم طلبوا الحق اكثر من غيرهم وكانت اقاويلهم فى الحق مثل هذه الاقاويل المستحيلة فكيف لا يعرض لمن وقف عليها ان تكف عنايته فى طلب الحق وان يظن ان طالب الحق يشبه الذى يعدو لادراك ما يطير اعنى انه لا يدركه ابدا
مخ ۴۲۰