قال ارسطو ومن هنا نبين انه ليس احد يرى هذا الراى لا من سائر الناس ولا ممن قال هذا القول فان الذى يمشى يمشى ولا يقف لما يرى انه ينبغى المشى ولا يسلك طريقا واحدا الى هاوية او بئر ان عرض له فى طريقه وبين انه يتجنب ذلك لانه يعرف ان السقوط فيه ولا سقوط ليس شيئا واحدا بعينه وليس ظنه بخير ذا وشره شيئا واحدا فاذا قد تبين انه يرى ان بعض ذلك خير وبعضه ليس بخير واذا كان هذا هكذا فله علم ان بعض الاشياء انسان وبعضها ليس بانسان وان بعضها حلو وبعضها ليس بحلو باضطرار فانه لا يظن الاشياء كلها شيئا واحدا ولا يتساوى طلبه فى جميع الاشياء اذا ظن ان شرب الماء اجود والنظر الى الانسان اذا كان يطلب ذلك ولو كان بالضرورة شيئا واحدا انسان ولا انسان بل كما قيل ليس نرى احدا الا ليتوقى بعضها دون بعض فاذ قد تبين ان المعرفة فى الكلية فى جميع الاشياء وان لم تكن فى جميع الاشياء الا انها فى الذى هو خير والذى هو شر فهى موجودة وان لم تكن هذه المعرفة بعلم بل هى بالظن فاجدر ان نفحص عن الحق كمثل ما ينبغى للمريض ان يفحص عن البرء اكثر من الصحيح فان صاحب الظن ليس بصحيح التحقيق اذا قيس الى العالم وايضا ان كان جميع الاشياء اكثر ذلك على هذه الحال وعلى غيرها الا ان الاقل والاكثر من طبيعة الهويات فانا لا نقول ان الاثنين والثلثة متشابهة فى الزوج وليس غرور من ظن ان الاربعة خمسة كغرور من ظن انها الف فان كان غرورهما ليس بسواء فبين ان غرور احدهما اقل فاذا هو اكثر فى الصدق وان كان الاكثر هو الاقرب فسيكون شىء من الحق يقرب منه الحق الاكثر وان لم يكن ذلك ولكن يكون اوكد واثبت واشد صدقا ونكون قد استرحنا من هذا القول الذى لا يحصر شيئا ويمنع العقل ان يحد شيئا التفسير لما بين المحالات التى تلزم من قال بان الموجبة والسالبة تجتمعان معا وذلك من قبل اعتقادهم فى الامور الموجودة اخذ يعرف المحالات التى تلزمهم من قبل اعمالهم وسعيهم فى الحياة الدنيا فقال ومن هنا نبين انه ليس يرى احد هذا الراى لا من سائر الناس ولا ممن قال هذا القول يريد ومما اذكره الان ومما سلف يبين انه ليس يعتقد احد هذا الراى لا من النظار ولا من العوام ثم قال فان الذى يمشى يمشى ولا يقف لما يرى انه ينبغى المشى يريد فان الذى يرى انه واجب عليه ان يمشى لامر ما يمشى الى ذلك الامر ولا يقف وذلك لما يرى ان المشى هو الموصل لذلك الامر ولو كان يرى ان المشى يوصل اليه ولا يوصل لما مشى ولو كان يرى ان المشى والوقوف ايضا سواء لما مشى ولا وقف ثم قال ولا سلك طريقا واحدا الى هاوية او بئر ان عرض ذلك له فى طريقه وبين انه يتجنب ذلك لانه يعرف ان السقوط فيه ولا سقوط ليس شيئا واحدا يريد انه لو اعتقد احد ان السقوط فى البئر وعدم السقوط شىء واحد لما تجنب احد فى طريقه بئرا ولا هاوية مخافة ان يسقط فيها ثم قال وليس ظنه بخير ذا وشره شيئا واحدا يريد وليس ظنه بان الشىء خير وانه شر ظنا واحدا لانه لو كان ذلك كذلك لم يطلب الذى هو خير ويهرب من الذى هو شر ثم قال فاذا قد تبين انه يرى ان بعض ذلك خير وبعضه ليس بخير يريد فاذا تبين من طلب الانسان بعض الاشياء وهربه من بعضها انه يرى ان بعض الاشياء خير وبعضها شر ليس فى الاشياء المختلفة المتعددة بل وفى اجزاء الشىء الواحد بعينه اذا كانت مختلفة القوى ثم قال واذا كان هذا هكذا فله علم ان بعض الاشياء انسان وبعضها ليس بانسان يريد واذا كان علمه فى الامور النافعة والضارة محصلا ولا يرى فيها النقيضين معا فكذلك فى العلوم النظرية مثال ذلك انه يجب ان يكون عندهم ان بعض الاشياء انسان وبعضها ليس بانسان لا انه يعتقد ان كل ما ليس بانسان هو انسان وقوله وان بعضها حلو وبعضها ليس بحلو باضطرار يريد وواجب ان يعتقد ان بعض المطعومات حلو فى طبيعته وبعضها ليس بحلو فى طبيعته وبالاضافة الى كل ذائق سليم الذوق ثم قال فانه لا يظن الاشياء كلها شيئا واحدا ولا يتساوى طلبه فى جميع الاشياء اذا ظن ان شرب الماء اجود يريد انه لا يظن ظان سليم الفطرة ان الاشياء كلها شىء واحد ولذلك لا يتساوى طلب الانسان لجميع الاشياء بل يطلب بعضها دون بعض مثال ذلك اذا ظن انسان ان شرب الماء اجود له من الشراب فانه يطلب الماء دون الشراب ولو كان عنده ان يشرب الماء ولا يشربه بمنزلة واحدة لم يطلب شرب الماء وقوله والنظر الى الانسان اذا كان يطلب ذلك يريد ولا يتساوى عنده النظر الى انسان ثان والا نظر اليه اذا كان يحب النظر اليه يعنى المحبوب ثم قال ولو كان بالضرورة شيئا واحدا الانسان ولا انسان بل كما قيل ليس يرى احد الا ليتوقى بعضها دون بعض يريد ولو كان ظننا ان الانسان ولا انسان شىء واحد لما كنا نوثر الا نتجنب بعض الناس دون بعض ولا نتوقى بعضهم دون بعض ولم يكن عندنا فرق بين الاعداء والاحباء ثم قال فاذ قد تبين ان المعرفة فى الكلية فى جميع الاشياء الى قوله فهى موجودة يريد فاذ قد تبين ان هاهنا معرفة ضرورية اما فى جميع الاشياء واما فى الاشياء التى هى خير وشر فهاهنا اذا معرفة ضرورية موجودة ثم قال وان لم تكن هذه المعرفة بعلم بل هى بالظن فاجدر ان نفحص عن الحق كمثل ما ينبغى للمريض ان يفحص عن طلب البرء اكثر من الصحيح فان صاحب الظن ليس بصحيح التحقيق اذا قيس الى العالم يريد وان كان انسان من الناس انما عنده من هذه الاشياء ظن فهذا الانسان اجدر ان يفحص عن الحق كما ان المريض هو احق بالفحص عن البرء من الصحيح وذلك ان حال الذى عنده ظن عند حال الذى عنده علم هى حال المريض من الصحيح وانما اراد بهذا انه ان كنا نعترف ان عندنا علما بالاشياء فقد ينبغى ان نفحص عن الاشياء وان نتعلم وان كنا نرى ان الذى عندنا من مبادى النظر هو ظن فذلك بنا احرى ان نفحص كيف عرض لنا هذا الظن فى الاشياء التى هى مبادى النظر ومن اين عرض ثم قال وان كان جميع الاشياء اكثر ذلك على هذه الحال وعلى غيرها الا ان الاقل والاكثر من طبيعة الهويات يريد وان كان يعتقد معتقد ان اعتقادات الانسان كلها ظنون فان الظنون تختلف بالاقل والاكثر فى الصدق والاقل والاكثر من طبيعة الموجود فاذا هاهنا شىء هو صدق فى نفسه ثم قال فانا لا نقول ان الاثنين والثلثة عدد زوج˹ اى انه معلوم ان لنا هاهنا معارف اول يقينية ضرورية مثل اعتقادنا ان الاثنين زوج والثلثة فرد وانها ليست تشترك فى الزوجية ثم قال وليس غرور من ظن ان الاربعة خمسة كغرور من ظن انها الف يريد وهو معلوم عندنا ايضا ان هاهنا خطا وغلطا خارجا عن الحق اكثر من غلط اخر وان الناس يتفاضلون فيه فانه ليس غلط من ظن ان الاربعة خمسة كخطإ من ظن انها الف ثم قال فان كان غرورهما ليس بالسواء فبين ان غرور احدهما اقل يريد فان كان خطا من يعتقد ان الاربعة خمسة ومن يعتقد انها الف ليس بالسواء فخطا احدهما اقل وهذا هو الذى يعتقد فى الاربعة انها خمسة من الذى يعتقد فيها انها الف ثم قال وان كان الاكثر هو الاقل فسيكون هاهنا شىء اخر من الحق يقرب منه الحق الاكثر يريد واذا كان هاهنا شىء هو اقل خطا فهنا شىء هو اكثر صدقا واقل خطا وان كان ذلك كذلك فسيكون هاهنا حق ما ضرورة يكون اقرب اليه الاكثر صدقا والاقل كذبا وهذا الذى قاله بين بنفسه فانه ان كانت هاهنا اشياء بعضها اقل كذبا من بعض واكثر صدقا فسيكون هاهنا شىء هو فى نفسه صادق باطلاق ومثال ذلك انه ان كانت اشياء بعضها اقل بردا من بعض واكثر حرا فسيكون هاهنا حار مطلق يكون الاقرب اليه الاكثر حرا والاقل بردا ثم قال وان لم يكن ذلك يكون اوكد واثبت˹ كذا وقع وتاويله على هذا فان لم يكن هاهنا حق باطلاق يقال الذى هو اكثر حقا بالمقايسة اليه فان هاهنا حقا هو اكثر حقا من الذى قيل بالمقايسة اليه انه اكثر حقا ويمر ذلك الى غير نهاية او ينتهى الامر الى حق هو فى نفسه حق باطلاق لا بالمقايسة ثم قال ونكون قد استرحنا من هذا القول الذى لا يحصر شيئا ويمنع العقل ان يحد شيئا يريد واذا تقرر ان هاهنا حقا باطلاق وتقرر هذا الراى بما لزمت من المحالات فقد استرحنا من القول الذى لا يتحصل منه معلوم ويمنع ان يكون حد لشىء من الاشياء
[19] Textus/Commentum
مخ ۴۰۳