142

فإن قيل: فإن التقرير إيجاب في المعنى، فهلا أجبت بما يجاب به الإيجاب؟ ألا ترى أن ألم أعطك درهما؟ بمنزلة قولك: أعطيتك درهما فالجواب: إن المقر قد يوافقه المقرر فيما يدعيه من أن ما قرره عليه كان، وقد لا يوافقه. فلو قال في جواب من قال: ألم أعطك درهما؟ نعم. لم تدر هل أراد: نعم لم تعطني، فيكون مخالفا للمقرر، أو نعم أعطيتني، على المعنى فيكون موافقا للمقرر. فلما كان ذلك يلتبس أجابوه على اللفظ ولم يلتفت للمعنى. فإن قيل: فقد جاء في التقرير «نعم»، قال جحدر:

أليس الليل يجمع أم عمرو

وإيانا فذاك بنا تداني

نعم وترى الهلال كما أراه

ويعلوها النهار كما علاني

فقال: نعم وترى الهلال. وكذلك قول الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلموقد قال لهم: ألستم ترون ذلك لكم، قالوا: نعم.

فالجواب: إن ذلك يتصور فيه وجوه. أحدها: أن يكون قول جحدر: نعم جوابا لما قدره في نيته واعتقاده من أن الليل يجمع أم عمرو وإياه، فجاء الجواب بنعم وإن لم يكن الملفوظ به لزوال اللبس، لأنه أجاب نفسه فعلم ما أراد. والآخر: أن يكون جوابا لقوله: أليس الليل، وإن كان تقريرا لزوال اللبس لأنه علم أنه لا ينكر أحد أن الليل، وإن كان تقريرا لزوال اللبس لأنه علم أنه لا ينكر أحد أن الليل يجمعهما وهو أيضا يجيب فقد علم ما أراد. والآخر: أن يكون جوابا لقوله: وترى الهلال، فقدم.

ومنهم من زعم أن نعم حرف يذكر... لما بعدها، وهذا لا ينبغي أن يلتفت إليه مهما أمكن إبقاؤها على معناها كان أولى، وقد أمكن ذلك حيث جاءت صدرا بأن تقدر تصديقا لما بعدها فقدمت.

وأما قول الأنصار: نعم، فجاز ذلك لزوال اللبس لأنه قد علم أنهم يريدون: نعم نرى ذلك، وعلى ذلك يحمل استعمال سيبويه لها في أبواب الصفات بعد التقرير.

مخ ۱۴۲