============================================================
شرح الأنفاس الروحانية اذ هما أغرب من الخفى، والخفي أقرب، وآلف من الحق تعالى وأعرف به جل وعلا فيقل الدهشة فلا ينتفي ثم ينادى منادى الألفة وبها يأنس ويألف المريد به، وانما ينادي بذلك ليسكن المريد ويطمثن فيتمكن من المشاهدة، والمعاينة، كما قال لموسى عليه الصلاة والسلام في أول ملاقاته: وما تلك بيوينك يا موسى} (طه: 17) ما كان هذا السؤال للاستفهام لأنه تعالى كان عالما بما في يده، وكان موسى أيضا عالما بذلك، وإنما قال ليسهل عليه الجواب فيجيب فيأنس به ويألف ولا يتفرق فهمه لخطابات بليغة مدهشة كذا هذا، ثم إذا حصلت الألفة والأنس للمريد عند ذلك كانت معاينة إذ لا حجاب هنا فإن الخفي وراء النفس وصفاتها وراء الدنيا، والآخرة و هؤلاء حجب وحوائل بينه وبين الحق تعالى غير أن القلب، والسر يصعد آنوارهما وشعاعهما إلى عالم الخفى، وعالم الحقيقة فكانا يزاحمانه، وهما اتتفيا بأنين أطراف المريد على ما سبق فلم يبق حجاب، ولا مزاحم فكانت مشاهدة ضرورة هذا الكلام منه، ولعل المشاهدة أعلى من المعاينة، والمعاينة أدنى، كما قال الجنيد؛ لأنه لم يشترط للمعاينة ما شرط للمشاهدة من نفي الحجب كلها، وقد يدل على عكس ذلك أيضا كما قلنا نحن: إن المشاهدة أدنى والمعاينة أعلى؛ لأنه جعل المعاينة للخفى، والمشاهدة للسر، والخفي أعلى من السر وأقرب إلى الحق تعالى فجعل الأعلى لما هو أعلى، والأفضل لما هو الأقرب.
وقال أيضا : "إذا ذكر في السر الربويية، ويذكر في القلب العبودية يتضمن العبودية بالوفاء فلم يألف فيضمن الربوبية بالعطف فيآلف فصار مضطرا من طريق النفي، فقيرا من طريق البقاء، وجلا من طريق المجازاة فيظهر عن الخقايات من الربوبية فسمى المكاشفة" يعني إذا ذكرت الربوبية في السر، وخطر فيه فذلك خاطر، وفكر مفكر السير الربوبية فيه وذكرت العبودية في القلب وفكر بها
مخ ۱۸۵