============================================================
المرصد الخامس - المقعد الثالث: النظر الصحيح عند الجمهور (فما هو جوابكم فهو) بعينه (جوابنا) الوجه (الثاني اقرب الأشياء إلى الإنسان) وأولاها بأن يكون معلوما له بحقيقته وأحواله (هويته) التي يشير إليها بقوله: إنا (وإنها غير معلومة) لا من حيث التصديق بوجودها، فإنه بديهي لا خلاف فيه، بل من حيث تصورها بكنهها، ومن حيث التصديق بأحوالها من كونها عرضا أو جوهرا، مجردا أو جسمانيا منقسما أو غير منقسم إلى غير ذلك من صفاتها (إذ قد كثر الخلاف فيها كثرة لا يمكن معها) مع تلك الكثرة (الجزم بشيء من الأقوال المختلفة) المتنافية (التي ذكرت فيها) في تلك الهوية (كما ستقف عليها) على تلك الأقوال في مباحث النفس، فلو كان النظر يفيد العلم بتلك الهوية وصفاتها، لما اختار العقلاء الناظرون فيها أقوالا متناقضة (وإذا كان اقرب الأشياء إليه كذلك) أي بحيث لا يفيد التصديق الظني أيضا كذلك، إذ لا فرق بينهما في أن كلأ منهما يستدعي تصور الطرفين على ما هر مناط الحكم، فإذا وجب التصور بالكنه في التصديق اليقيني، لجواز أن يكون في ذاتهما ما يمتع ذلك التصديق، وجب في التصديق الظني أيضا، لجواز أن يكون في ذاتهما ما يمنع التصديق، وقيل: الظني لضعفه يجوز أن يكفي فيه التصور بالوجه الذي هو ضعيف بخلاف التصديق اليقيني قوله: (وأولاها إلخ) أي لكونها حاضرة عنده دائما، والعلم ليس إلا حضور المدرك عند المدرك وفيه إشارة إلى أن المراد الأقرب إدراكا لا ذاتا .
قوله: (فانه بديهي لا خلاف فيه) إذ كل أحد يملم بأنه موجود حتى الصبيان والمجانين، وهذا التصديق ليس بالأحوال المخصوصة حتى يستدعي تصوره بالكنه، فلا يرد أنه إذا كان التصديق اليقيني فرع التصور بالكنه عندهم، كيف يقولون بحصول هذا التصديق؟ مع عدم التصور بالكنه.
قوله: (الثاني اقرب الأشياء إلخ) ينبغي ان يقيدوا الأشياء بالغائبة عن الحواس، وعدم الاتساق والقرب من الأوهام، كيلا ينقض دليلهم بالهندسيات والحسابيات والممكنات، ثم إنه إنما يتم على تقدير تسليم عدم معلومية النفس ان لو كاتت اقربيتها في المدركية، وإذا لا يلزم من اقربيتها اتصبالا اقربيتها إدراكا الا يرى أن القوة الحاسة لا تدرك نفسها لم يلزم مدعاهم.
قوله: (لا من حيث التصديق بوجودها فإنه بديهي لا خلاف فيه) فيه بحث لأن التصديق عندهم يستدعي تصور المحكوم عليه بالكنه كما تبين من دليلهم الأول وإذا لم تكن النفس علومة من حيث التصور فكيف يقولون هي معلومة من حيث التصديق بالوجود بداهة؟ والحمل على بداهة التصديق الظني بوجودها بعيد، اللهم إلا أن يبني الكلام على إرادة إلزام الخصوم بأنها غير معلومة عند كم، فلزمكم الاعتراف بما ذكرنا، فمرادهم بقوله: فإنه بديهي لا خلاف فيه آنه بديهي عند كم لا خلاف فيه بيشكم
مخ ۲۴۴