129

============================================================

المرصد الثالث - المقصد الرابع: المذاهب الضعيفة في هذه المالة الكفار مكلفين، ولأن (العلم بوقوع التكليف موقوف على وقوعه) فإن العلم بوقوع شيء ظل لوقوعه في نفسه (فلو توقف وقوعه على العلم) والتصديق (به لزم الدور).

(المذهب الرابع): في هذه المسالة (إن الكل نظري) سواء كان تصورا أو تصديقا مما يلزم اعتقاده أو لا يلزم (وهو مذهب بعض الجهمية) التابعين لجهم بن صفوان الترمذي رئيس الجبرية (ويبطله ما مر) من شهادة الوجدان بكون البعض ضروريا، ومن لزوم الدور أو التسلسل على تقدير كون الكل نظريا (واحتجوا) على مذهبهم (بأن الضروري يمنع خلو النفس عنه، وما من علم) تصوري أو تصديقي (إلا والنفس خالية عنه في مبدأ الفطرة، ثم تحصل) لها علومها (بالتدريج بحسب ما يتفق من الشروط) كالإحساس والتجربة والتواتر وغيرها، فيكون الكل غير ضرورى قوله: (ويبطله) اي كون الكل نظريا بالمعنى الذي مر في تحرير محل النزاع، حيث قال: في نقض مذاهب ضعيفة في هذه المسالة، فإن فسر النظري بمعتى ما يتوقف على شيء كان خروجا عن محل النزاع.

قوله: (بأن الضروري الخ) لأن الضروري ما يلزم نفس المخلوق لزوما لا يجد إلى الانفكاك عنه سبيلا، واللزوم هو امتناع الانفكاك ولم يفهموا أن المراد منه امتناع الانفكاك المقدور.

قوله: (فلو توقف وقوعه على العلم به لزم الدو) قد يدفع الدور بأن مدعى الجاحظ ومتبعيه هو أن الموقرف عليه لوقوع التكليف هو التصديق بإمكان التكليف، وهو لا يتوقف على الوقوع بل الإمكان الذي ليس الوقوع شرطا لثبوته فلا دور، وأنت خبير بأن تطبيق عبارة الكتاب على هذا، وإن امكن بحمله على حذف المضاف في قوله لا يعلم التكليف، أي لا يعلم إمكان التكليف إلا أنه لا يتم حينعذ قوله: لأن من لا يعلم هذه الأمور لا يعلم إمكان التكليف، لأن العلم يإمكان التكليف لا يتوقف على تحقق التصديق بالأمور المذكورة بالفعل، وإنما يتوقف عليه العلم بوقوع التكليف بالفعل فتدبر.

قوله: (ويبطله ما مر من شهادة الوجدان) فإن قلت: شهادة الوجدان وحديث الدور والتسلسل إنما كان في النظر الذي يحتاج إلى النظر لا فيما يتناوله وغيره من التجربيات والوجدانيات وغيرهما فالابطال بالشهادة ولزوم الدور والتسلسل على تقدير كون الكل نظريا، بالمعنى الذي يظهر من الاحتجاج ممنوع قلت: لعل الجهمية زعموا أن الكل نظري بالمعنى المذكور فيما سبق، المقابل للضروري توهما منهم ان الضروري ما لا تجد النفس إلى الانفكاك عنه سبيلا، وما من علم إلا والنفس خالية عنه في مبدأ الفطرة، فرد عليهم اولا بأن مدعاهم أعني نظرية الكل بالمعنى المشهور يكذيه الوجدان، وثانيا بأن دليلهم لا يفيد ذلك وقد يقال: النزاع لفظي وأن مرادهم بالضروري الذي نفوه بالكلية ما لا يتوقف على أمر اصلا، وبالنظري الذي أثبتوه ما يتوقف على شيء في الجملة فتأمل.

مخ ۱۲۹