وأما مساواة آخر الأمة أولها أو يفضلونهم، فالمراد في ثواب الأعمال والمجاهدات وإن لم يدركوهم في فضيلة سبقهم في الوجود وصحبتهم إياه، وروايته لا يلحقهم فيه أحد من الخلق بنفقة ولا عمل لقوله تعالى: { والسابقون الأولون } [التوبة:100] وإنما ساواه الآخرون في الثواب ويفضلونهم، لأن الإسلام في قوله عليه السلام: (بدأ غريبا) في زمن الصحابة (وسيعود غريبا) في آخر الأمة فساووهم الآخرون لا سبق المجاهدة مع قلة العدد ووجد فضل الآخرين.
إن الأولين كانت لهم قوة برؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعائه وشفقته.
قال الشيخ رحمه الله: سئل بعض الفقهاء في زمانه في مجلس وعضه عن هذه الأحاديث فلم يتضح له الجمع بينها، فقلت له في الخلوة وقد بت إلى فهمه بمثال من ظاهر الفقه فقلت كما لو - صلى الله عليه وسلم - صحابي في ليلة ركعتين وصلى تابعي من بعده في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه يحكم بفضل صلاة التابعي مع الحكم بفضل صلاة الصحابي عليه بالصحبة انتهى كلامه.
وحاصله في المعنى يوافق ما تقدم ذكره للشيخ ابن العربي المالكي في شرحه "عارضة الأحوذي" للترمذي كما سبق غير أن في هذا بعض زيادة إيضاح والله أعلم.
إن قيل: إن الشرور في القرن الثاني والثالث كانت أيضا فكيف معنى الخير؟
قيل له: المراد بالخير نظرا إلى القلة والكثرة للشرور والبدع مكان قربه - صلى الله عليه وسلم - أفضلها ثم الذي بعده ثم الذي بعده فالشر في الأول قد كان لكنه قليل ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ما زال يتناقص الخير ويكثر الشر والبدع بعد وما يأتي من قرن إلا والذي بعده أقل خيرا من الذي قبله حتى الساعة فيخلص الشر ولا يبقى الخير هذا.
مخ ۵۴