[82] ابن عائذ ، قال : فحدثني شيخ من موالي ابن هبيرة ، عن عمر بن هبيرة ، قال : كنا قد بلغنا من حصارهم ما بلغنا ، وكان بنا من الأزل والمرض نحوا مما بهم وأشد ، وكنت نازلا بجماعة سفن على ساحلهم مما يلي عسكر المسلمين في مركبي فيه مبيتي ، إلا أن أركب إلى مسلمة فأشهد أموره ، فإذا لم أركب خرجت في برد النهار إلى مجلس على تل مشرف على مراكبي وعلى عسكر المسلمين ، ويخرج إلي أمراء أجنادي وأهل الهيئة منهم ، فكان ذلك التل من تلك الساعات لنا مجلسا ومتحدثا ، فبينا أنا ذات غداة ، أو قال عشية جالس عليه في جماعة ، إذ بقارب قد خرج من بابه [كذا] ميناء القسطنطينية ، يقصد إلينا ، فيه رجال من الروم ، عليهم الديباج ، قال ، فقلت : رسول الطاغية إلي في أمر يكلمني به ، فإن أتانا في مجلسنا أشرف على رثاثة سفننا وسوء حالنا سره ذلك وازداد قوة علينا ، فقمت إلى مركبي فجلست مجلسي فيه وجلس معي أمراء أجنادي وأهل الهيئة من الناس ، وأمرت أهل السفن أن يواروا ما قدروا عليه من سوء حالهم ، فلما دنوا نادونا بالأمان ، فجعلته لهم ، فأقبل رسول الطاغية في أصحابه في هيئة ، وتملك في أنفسهم ، حتى صعد إلي ، فسلم ، وأذنت له فجلس ، وجلسوا ، ثم أنشأ يقول : إنا بعثنا لأمر فنذكره لكم ، ورأيت منكم شيئا عرفت به سوء حالكم ، وإنك أردت بقيامك عن التل ومجلسك الذي كنت فيه إلا آتيك فيه فأشرف على رثاثة سفنكم وسوء حالكم، ثم تهيأت لي بما أرى ، مما ليس خلفه قوة ، وقد صرتم من حالكم إلى أسوأ مما نحن فيه . إن الملك يقرأ عليك السلام ، ويقول : إنه قد كان من نزولكم علينا وإقامتكم إلى هذا اليوم ما قد علمتم ، وقد بلغ منا ومنكم وما أنتم فيه أشد ، وقد عرضت على مسلمة فدية صلح ؛ على كل إنسان بالقسطنطينية ، من رجل، وامرأة ، وصبي ، دينارا دينارا ، على أن ترحلوا عنا إلى بلادكم ، فإن شئتم اقتسمتم هذه الدنانير بينكم مغنما ، وإن شئتم ذهبتم بها إلى خليفتكم ، فأدخله بيت ماله ، فصنع ما أراد ، فسخط ذلك مسلمة ، وتأبى علينا ، وزعم أن لا يبرح دون أن نؤدي الجزية عن صغار ، أو يدخله عنوة ، والصغار - الجزية - مالا تطيب به أنفسنا أبدا ، وأنت من خليفتك ، ومن مسلمة ، ومن علية العرب ، بالمنزلة التي أنت بها ؛ في الشرف ، والأمانة ، فانظر فيما عرضته على مسلمة ، فإن رأيته رأيا أشرت به عليه ، ورددته إليه ، قال عمر بن هبيرة : أصاب مسلمة ، وذلك ما أمرنا الله به ، ولا أخالفه فيه ، وأنا عونه عليه ، حتى يحكم الله بيننا وبينكم ، قال : فصلب على وجهه ، وانصرف مغضبا إلى أصحابه(ccxliv[244]).
مخ ۵۰