لعل سورة يوسف هي خير مثال للفكرة التي نحاول أن نبلورها من خلال استقراء القصص القرآنية؛ فالقرآن في هذه السورة يصارح بأنه يقص القصص.
نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين (من سورة يوسف: آية 3).
فالقرآن إذن يقص القصص ليصحو الغافل. وما أعظم النقلة بعد هذه الآية:
إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين (من سورة يوسف: آية 4).
من القواعد القصصية المعروفة أن القصة يجب ألا تفاجئ القارئ؛ فلا بد لكل حدث من تمهيد يسبقه. وأحسن ما يكون التمهيد إذا كان غير واضح. إذا التأم في نسيج القصة بحيث لا ينبئ عما يمهد له. حتى إذا وقع الحدث تنبه القارئ إلى هذا التمهيد فتذكره. والحلم هنا خير تمهيد للأحداث التي جرت بعد ذلك، بل إن الآيات لا تكتفي بهذا، وإنما تمضي قدما.
قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين * وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم (يوسف، آيتا 5، 6).
في هذه الآيات القليلة عرفنا أن إخوة يوسف على استعداد أن يكيدوا، وأن يوسف من آل يعقوب. عرفنا معنى الحلم وما سيصير إليه أمر يوسف من بعد. وفي هذه اللمحة قمة التشويق، وإن كنت عرفت حقيقة ستأتي فيما بعد؛ ذلك أن القارئ سيقرأ ليعرف كيف وصل يوسف إلى معرفة تأويل الأحلام والحكمة. كما سيقرأ ليعرف كيف انتفع بعلمه هذا. ولو كان القارئ يقرأ لقصاص عادي لقرأ ليعرف إن كان هذا التنبؤ قد تم أم لا. كل هذا يشوق القارئ فيمضي في قراءة القصة في لهفة. وقد حاول بعض من كتاب القصة المتحدثين في الغرب أن يلغوا فكرة التشويق فانهارت القصة، وفرض عليهم التشويق نفسه كعنصر أساسي من عناصر العرض الآتي:
ولعل ألبرتو مورافيا هو أهم قصاص حاول تحطيم التشويق في رواية له، ومورافيا كاتب عالمي، وكل أعماله تحقق نجاحا عالميا منقطع النظير، ولكنه في هذه الرواية بالذات التي حاول أن يحطم فكرة التشويق باء بفشل لم يصادفه في كل أعماله التي قدمها وهو في قمته، فالتشويق إذن كان وما زال من أهم عوامل القصة، وهو أروع ما يكون إذا سيطر على الرواية أو القصة دون افتعال من المؤلف أو من الأحداث.
انظر معي إذن هذا التشويق في قمته حين اجتمع إخوة يوسف:
إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين * اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين * قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب
ناپیژندل شوی مخ