إن القرآن الكريم يتكلم بصيغة الغائب .. يعلمه الكتاب ورسولا إلى بني إسرائيل. ثم فجأة ودون أي مقدمات أني قد جئتكم بآية من ربكم.
انتقل السرد إلى صيغة المتكلم فجأة. وهل تحتاج هناك إلى تمهيد وإعجاز؟ هل تحتاج إلى من يقول إن سيدنا عيسى قال لقومه إني قد جئتكم بآية. وكان السرد يستطيع أن يمضي في الرواية بصيغة الغائب، فيقول إنه قال لقومه إنه قد جاءهم. ولكن هذه اللفتة الإلهية المعجزة تقع من الآية موقعا لا تملك إزاءه إلا الإكبار والإجلال والخشوع. وهل تملك أمام كلام الله إلا الإكبار والإجلال والخشوع؟
الثواب والعقاب في قصة آدم
لعله كان أولى بنا أن نبدأ بقصة آدم، ولكن هل نسوق هنا عرضا تاريخيا؟ إنما نحن نلقي نظرات سريعة خاشعة على السرد في قصص القرآن الكريم، فلا جناح علينا أن نضرب عن الترتيب الزمني صفحا. والقرآن نفسه لم يورد قصة آدم في بداية سوره القصصية. يقول تعالى في سورة طه، (الآية 113، وما بعدها):
وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا * فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما * ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى * فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى .
لا شك أن كل قارئ سمع عن التمهيد في القصة والأعمال المسرحية على السواء .. أرأيت القرآن هنا كيف يسوق التمهيد في لغة شريفة لا لبس فيها ولا غموض؟ لقد حذر الله آدم. وقال إن إبليس هذا عدو لك ولزوجك .. في روعة أخاذة معجزة. يشير سبحانه وتعالى إلى أن إبليس عدو للجنس البشري جميعا ولم يكن الجنس البشري يومذاك إلا آدم وزوجه. ثم هذه الإيماءة الوامضة إلى الزوجة هنا .. إنها إيماءة لا تتأتى إلا من فوق سبع سموات .. فالزوجة هنا عنصر رئيسي، فما وقع بعد ذلك حدث، فذكرها إشارة إلى الحدث دون كشف للحدث .. فأنت تريد أن تعرف مشوقا إلى ما حدث بعد ذلك، وتلك هي تماما وظيفة التمهيد. وقد قدمه سبحانه وتعالى لا يزيد كلمة عما يجب أن يكون في جمل حاسمة حازمة قوية الدلالة تأسر القارئ فلا تفلته أو يصل من القصة إلى غايتها.
إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى .
أترى الجنة التي هيأها الله لآدم وزوجه؟ لقد وعده فيها ألا يجوع ولا يعرى ولا يظمأ ولا يضحى، فماذا فعل آدم أمام هذه الوعود؟
فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى * فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى .
أرأيت سردا أكثر اكتمالا وقصرا في وقت معا مثل هذا في جمل قليلة؟ قدم الحدث أجمعه، ثم عقب عليه بما يبلوره. وعصى آدم ربه فغوى.
ناپیژندل شوی مخ