وبعد هذا الإسهاب، أطال الله بقاء من يقف على كتابي هذا، فيوسعني إنصافا أو يتركني، والميل على مع هواه كفافا، فإنه كتاب لم أزل على فارط الحال، وتقادم الوقت، ملاحظا له، عاكفا الفكر عليه، منجذب الرأي والروية إليه، وادا أن أجد مهلا (أضله) به، أو خللا أرتقه بعمله، والوقت يزداد بنواديه ضيقا، ولا ينهج لي إلى الابتداء طريقا.
هذا مع إعظامي له واعتصامي بالأسباب المشاطة إليه، فاعتقادي فيه أنه من أجود ما صنف في فنه، وأسبقه لأبناء سنه، وأذهبه في طريق البحث والدليل والنظر، لا الرواية الضعيفة والخبر، فأني تحريت فيه التحقيق، وتنكبت ذلك كل طريق، فإن الحق لا يعدو أربع طرق: إما كتاب الله سبحانه، أو سنة رسوله صلى الله عليه وآله المتواترة المتفق عليها، أو الإجماع، أو دليل العقل، فإذا فقدت الثلاثة، فالمعتمد في المسائل الشرعية عند المحققين الباحثين عن مأخذ الشريعة التمسك بدليل العقل فيها، فإنها مبقاة عليه وموكولة إليه، فمن هذا الطريق يوصل إلى العلم بجميع الأحكام الشرعية في جميع مسائل أهل الفقه، فيجب الاعتماد عليها، والتمسك بها، فمن تنكب عنها عسف، وخبط خبط عشواء، وفارق قوله من المذهب، والله تعالى يمدكم وإيانا بالتوفيق والتسديد، ويحسن معونتنا على طلب الحق وإثارته، ورفض الباطل وإبادته، فقد قال السيد المرتضى رضي الله عنه وذكر في جواب المسائل الموصليات الثانية الفقهية، وقدم مقدمة وأشار وأومأ إليها أن تكون هي الأدلة على جميع جوابات مسائلهم، اكتفي بها عن الدلالة في تضاعيف الجوابات، فقال: اعلم أنه لا بد في الأحكام الشرعية من طريق يوصل إلى العلم بها لأنا متى لم نعلم الحكم ونقطع بالعلم على أنه مصلحة، جوزنا كونه مفسدة، فيقبح الإقدام منا عليه، لأن الإقدام على ما لا نأمن كونه فسادا وقبيحا كالإقدام على ما نقطع على كونه فسادا، ولهذه الجملة أبطلنا أن يكون القياس في الشريعة الذي يذهب مخالفونا
مخ ۴۶