المتأخر حق الفضيلة إذا أتى بالحسن لتأخره، وكأين نظر للمتأخر ما لم يسبقه المتقدم إليه ولا أتى بمثله: إما استحقاقا أو اتفاقا، فمن العدل أن يذكر الحسن ولو جاء ممن جاء، ويثبته للآتي به كائنا من كان، ولا ينظر إلى سبق المتقدم وتبع المتأخر، فإن الحكمة ضالة المؤمن على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) والخبر المشهور عن أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال (2). ولا تغتر أيها اللبيب وتركن إلى قول ابن الرقاع، فإنه ختار ذو خداع وقد ذكر عثمان بن جني النحوي في كتاب الخصائص قال: قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: ما على الناس شر أضر من قولهم: ما ترك الأول للآخر شيئا، وقال الطائي الكبير يقول: من يطرق أسماعه كم ترك الأول للآخر، بل تمسك بقول أمير المؤمنين عليه السلام: أعرف الحق تعرف أهله (3)، وأحسن الحديث والاستشهاد كتاب الله، فإنه مدح قوما بقوله: " الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه " (4) وأني لأستحسن قول لبيد في هذا المعنى:
قوم لهم عرفت معد فضلها * والفضل يعرفه ذووا الألباب وقال ابن الرومي:
ومستخف بقدر الشعر قلت له * لا ينفق العطر إلا عند معطار وقال خلاد الأرقط: لقيني ابن مناذر بمكة، فأنشدني قصيدته: " كل حي لاقى الحمام فمودي " ثم قال: إقرأ أبا عبيدة السلام، وقل له: يقول لك ابن مناذر: اتق الله واحكم بين شعري وشعر عدي ابن زيد، ولا تقل ذاك جاهلي وهذا إسلامي، فتحكم بين العصرين، ولكن أحكم بين الشعرين ودع العصبية.
مخ ۴۵