ذلك، وربما ذهب بعضهم إلى الجبر وإلى التشبيه، اغترارا بأخبار الآحاد المروية، ومن أشرنا إليه بهذه الغفلة يحتج بالخبر الذي ما رواه، ولا حدث به، ولا سمعه من ناقله فعرفه بعد بعدالة أو غيرها، حتى لو قيل له في بعض الأحكام: من أين أتيته وذهبت إليه؟ جوابه: لأني وجدته في كتاب الفلاني، ومنسوبا إلى رواية فلان بن فلان، ومعلوم عند كل من نفي العلم بأخبار الآحاد أو من أثبتها وعمل بها، أن هذا ليس بشئ يعتمد، ولا طريق يقصد، وإنما هو غرور وزور.
قال: فأما الرواية بأن يعمل بالحديثين المتعارضين بأبعدهما من مذهب العامة، فهو لعمري قد روي، وإذا كنا لا نعمل بأخبار الآحاد في الفروع، كيف نعمل بها في الأصول التي لا خلاف في أن طريقها العلم والقطع؟
قال السيد المرتضى رحمه الله: وإذا قد قدمنا ما احتجنا إلى تقديمه، فهو الذي يعتمد عليه في جميع المسائل الشرعية. هذا آخر كلام المرتضى رضي الله عنه حرفا فحرفا.
قال محمد بن إدريس: فعلى الأدلة المتقدمة أعمل وبها آخذ وأفتي وأدين الله تعالى ولا ألتفت إلى سواد مسطور، وقول بعيد عن الحق مهجور، ولا أقلد إلا الدليل الواضح، والبرهان اللائح، ولا أعرج إلى أخبار الآحاد، فهل هدم الإسلام إلا هي، وهذه المقدمة هي أيضا من جملة بواعثي على وضع كتابي هذا، ليكون قائما بنفسه، ومقدما في جنسه، وليغني الناظر فيه، إذا كان له أدنى طبع عن أن يقرأه من فوقه، وإن كان لأفواه الرجال معنى لا يوصل إليه من أكثر الكتب في أكثر الأحوال، وعزمت على أنه: إن مر في أثناء الأبواب مسألة فيها خلاف بين أصحابنا المصنفين رحمهم الله أومأت إلى ذلك، وذكرت ما عندي فيه، وما أعتمد عليه، وقادني الدليل إليه، وإن كان في بعض كتب أصحابنا كلام متضاد العبارة، متفق المعنى، أو مسألة صعبة القياد جموح لا تنقاد، أو كلمة لغوية أعربت عنها بالتعجيم، وأزلت اللبس فيها والتصحيف، وإن كان
مخ ۵۱