" هذا كتاب السرائر " بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي الحمد لله الذي خلق الإنسان فعدله، وعلمه البيان ففضله، وألبسه الإيمان فجمله وعرفه الدين فكمله، أحمده على ستر أسبله، ونيل نوله، حمد معترف وله مطلق بالحمد مقوله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بكتاب نزله، وآي فصله ودين كمله، وشرع سبله، فاضطلع بما حمله، حتى حل بعضله من البهتان مشكله، وأرشد إلى الرحمن من جهله، وصلى الله عليه وآله ومن قبله ما كبر الله مكبر وهلله.
أما بعد فإن الفقه أجمل ما التحفته الهمة، وعرفته هذه الأمة، وما زالت صدور الصدور له محلا، ولباتهم به يتحلا، ومجتمعاتهم ميدان محله، ومكان رويته وارتحاله، يرشف فيه ثغورهم، ويخطف لديه نورهم، ثم تقلص ذلك البرد الضافي وتكدر ذاك الورد الصافي، وزهد في اقتناء المعارف، وعريت الهمم من تلك المطارف، وأصبح العلم قد دجت مطالعه، وخوي طالعه.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: إني لما رأيت زهد أهل هذا العصر في علم الشريعة المحمدية والأحكام الإسلامية وتثاقلهم طلبها، وعداوتهم لما يجهلون، وتضييعهم لما يعلمون، ورأيت ذا السن من أهل دهرنا هذا لغلبة الغباوة عليه، وملكه الجهل لقياده، مضيعا لما استودعته الأيام، مقصرا في البحث عما يجب عليه علمه، حتى كأنه ابن يومه ونتيج ساعته، ورأيت الناشئ المستقبل ذا الكفاية والجدة مؤثرا للشهوات، صادفا عن سبل الخيرات، ورأيت العلم عنانه في يد الامتهان، وميدانه قد عطل من الرهان، تداركت منه الذماء الباقي،
مخ ۴۱