91

وجرب السلوى، وما خامره الشك في أنها علاج مطلوب، وأنها علاج مستطاع.

ولم لا يكون مستطاعا أن يسلو الرجل امرأة بامرأة مثلها أو أفضل منها؟ ألا يسلو الجائع عن صفحة من الطعام بصفحة مثلها أو أشهى منها؟ فلماذا يعيبه أن يسلو عن المرأة بغيرها من بنات حواء؟

ونسي همام أنه ليس بجائع وإنما هو عليل مسلوب الاشتهاء ... فمن حاجته قبل أن ينظر في انتقاء طعامه أن يعيد ذوقه إلى اعتداله، وأن يجد هذه اللذة فيما يشتهيه، ويستوي عنده قبل ذلك أطيب الطعام وأخبث الطعام، كما يستوي الأكل والصيام.

بل نسي أن الرجل حين يحب المرأة فإنما يريدها ولا يريد ما هو أجمل منها، وإنما يحسها ويحس بها؛ لأنها هي هي لا لأنها امرأة لا فارق بينها وبين سائر النساء.

وكالنظارة التي تجلو العين؛ لأنها نظارتها تكون المعشوقة للعاشق الذي عاشرها وألف محاسنها وعيوبها، وتمثل كل صفة من صفاتها كأنها شخص مستقل «مخصوص» لا مشابهة بينه وبين الصفات عامة، فلا النظارة التي هي أبعد أمدا وأنفس زجاجا تغني العين التي تنظر بما دونها، ولا المرأة التي هي أجمل طلعة وأكرم سليقة تغني القلب الذي تعود أن يخفق لها أو يخفق معها.

لا، بل تكون التسلية هنا أحجى بأن تنكأ الجرح وتضاعف الحسرة وتضرم لوعة الفقد والغيبة، فالمرأة المجهولة تغني عن المرأة المجهولة؛ لأنك لا تعرف لها صفة تنكرها عند أختها ... أما التي «تشخصت» في حسك كل صفة من صفاتها، فكيف ترى امرأة غيرها دون أن تشعر في كل لمحة وكل لمسة أن لها وجها غير وجه فلانة، وعينا غير عينها، وصوتا غير صوتها، وقواما غير قوامها، وأعطافا غير أعطافها، وروحا غير روحها، وكلاما غير كلامها؟

وكيف تشعر بذلك دون أن تنقلب التسلية غصة، ودون أن ينقلب العوض المنشود ذريعة من ذرائع الفقد الدائم والحرمان المتجدد؟

كلا، لا تسلية عن «النظارة» المضبوطة بنظارة أنفس منها وأقدر على التقريب والتوضيح.

ولا تسلية عن الابن الضائع بابن من صلب غيرك ولا من صلبك، ولو كان أبر الأبناء الذين ولد الآباء، ولا تسلية عن المرأة المعشوقة بامرأة تفوقها ملاحة وتبرعها ذكاء، وتبذها عندك وعند غيرك في بعض الخصال ولا في جميع الخصال.

وفي الحب كثير من بقايا الطفولة وتراث الغريزة، فلا بد للقلب من فترة طويلة يعاف فيها كل هوى غير هواه، كما يعاف الطفل كل ثدي غير ثديه، أو يعاف الطير كل أليف غير أليفه، أو يعاف الحيوان كل سكن غير سكنه بين أمه وأبيه. •••

ناپیژندل شوی مخ