وكان «أمين» موفقا في هذه المرة كل التوفيق؛ لأنه زود هماما بالحجة القاطعة التي يواجه بها غوايته ويقمع بها نكسات ضعفه، كلما ساوره الندم وعزت عليه السلوى.
ولم تأت هذه الحجة إلا بعد استئناف الرقابة بزمن غير قصير، وجهد غير قليل.
ولكن علام الرقابة بعد القطيعة؟ ألم ينحسم كل ما بين ذلك الرجل وتلك المرأة من علاقة؟ ألم يقصر همام عن ذكر سارة ووفاء سارة وخداع سارة؟ ألم يعول كل التعويل على أن يظن أسوأ الظنون ويفرض أشنع الفروض، ويوطن عزيمته على خيانتها ولا يغالط وهمه في شأنها ولو تفتحت له أبواب المغالطة؟
بلى، كان ذلك!
غير أنها كانت أحلاما، ولم تصح الأحلام إلا بضعة أيام، وقد صحت الأحلام في الأيام الأولى بعد القطيعة، حتى ظن همام أنه قد سلا، واستقر على السلوى، فما يبالي بعدها من خان ووفى ومن ضل وغوى.
على أنها كانت راحة موقوتة أشبه براحة اللديغ حين ينقلب من جنب إلى جنب، وما به من نوم ولا غفوة على هذا الجنب ولا على ذاك.
ثم خرج همام من هذه الراحة الموقوتة إلى شيء آخر، إلى شيء غير الراحة وغير السلوى، إلى الشعور القاصم بالفراغ، وبالحرج والضيق ونفاد الحيلة كلها في ذلك الفراغ.
كل حاسة من حواسه فقدت شيئا، وكل لحظة من لحظاته فقدت شيئا، وكل مكان يغشاه فقد شيئا، وكل سرور من مسراته أو كل ألم من آلامه فقد معناه وغايته ولبابه، وماذا عوضها جميعا؟ ... عوضها نقيضها الذي يلغيها عنها، فإما غم محبوس كظيم، وإما حيرة عمياء ليس لها اتجاه، وإما سكون موحش بعد حركة وجيعة، وكل أولئك في فراغ فارع لا مبدأ له ولا نهاية ولا مهرب فيه ولا قرار.
خوى الجحيم الحي وهبط في مكانه الزمهرير الميت، وبئس هذا الموت وبئست تلك الحياة.
زمهرير لا يعيش فيه الأحياء، ولكنما هو زمهرير خاص للتعذيب لا لمأرب غير التعذيب، فلهذا يعيش فيه من يعيش من الأحياء!
ناپیژندل شوی مخ