ونظر بعضهم إلى بعض في دهشة واستغربوا واستقبحوا أن لا يعرفوا من هم أهل الميت.
وقالت سينا: «أظن أخته في المدرسة العالية.»
فقال القسيس: «آه حسن! والآن عموا مساء.» ورفع قبعته قليلا بأصابعه السمينة.
فقالوا جميعا بصوت واحد: «عم مساء!»
ولما بلغوا الشارع تنهدوا كأنما تخلصوا. وسألهم شافروف: «أين نذهب؟»
وبعد تردد قليل ودع بعضهم بعضا ومضى كل في طريقه.
الفصل الحادي عشر
لما رأى سمينوف الدم الذي نفث وأحس الفراغ الرهيب في نفسه ومن حوله، ولما احتملوه ومضوا به ووضعوه وقاموا له بكل ما كان يفعله هو في حياته - حينئذ أيقن أنه سيموت وعجب كيف لا يشعر بأقل فزع من الموت.
وقد قالت دوبوفا: إنه ريع لأنها هي نفسها ريعت وتوهمت أنه لما كان الصحيح المعافى يرهب الموت فلا بد أن يكون المحتضر أعظم فزعا واستهوالا له. وحسبت اصفراره وشرود نظرته - وهما نتيجة الضعف وخسارة الدم - دليلا على الخوف. ولكن الأمر لم يكن كذلك في الواقع.
وكان سمينوف يخاف الموت أبدا ويفرق منه لا سيما منذ عرف أنه مصاب بالسل. وكان في أول مرضه نهب الفزع وفريسة الذعر شأنه في ذلك كشأن المحكوم عليه بالإعدام ضاع كل رجاء في العفو عنه. وكاد يصور له الرعب أن الدنيا لم يعد لها وجود منذ تلك اللحظة، وأن كل مستملح جميل سار قد اختفى وزال، وأن ما حوله يموت ويقضي نحبه، وأن كل لحظة بل كل ثانية قد تكر عليه بالمفزع الذي لا يسعه طوق والمستهول كالهاوية السحيقة السوداء الفاغرة. وكان الموت يتمثل له كالهاوية الهائلة المظلمة كالليل. وكانت هذه الهاوية أبدا ماثلة لعينه حيثما ذهب. وفي ظلامها الكثيف يختفي كل صوت وكل لون وكل إحساس. وأخلق بمثل هذه الحالة النفسية أن تكون مرعبة ولكنها لم تطل وصار سمينوف كلما أخب به الداء وأوجف على مر الأيام يزيد الموت في نظره بعدا وغموضا والتياثا.
ناپیژندل شوی مخ