على أنها مع رغبتها في إخفاء حزنها عن غيرها أحست جاذبا إلى نوفيكوف كما تجذب الشمس الزهرة. وخيل إليها أن من الحقارة بل من الإجرام أن يراد منه إنقاذها. وحز في ضلوعها أن يتوقف أمرها على حبه وصفحه، ولكن الرغبة في الحياة كانت أقوى من الكبر.
وكان خوفها من غبائه أعظم من احتقارها له، فلم تكن تستطيع أن تنظر إلى نوفيكوف، بل كانت ترجف في حضرته كالعبد أمام ملك رقه، فما أشبهها بالطائر المهيض الجناح الذي لا يسعه أن يطير مرة أخرى.
وكانت إذا جاوز الألم طاقتها ربما فكرت في أخيها بشيء من الدهشة. وكان لا يخفى عنها أنه لا يقدس شيئا، وأنه ينظر إليها وهي أخته نظر الذكر إلى الأنثى، وأنه أناني لا يكترث للعرف والعادة، ولكنه الرجل الوحيد الذي كانت تحس الحرية المطلقة في محضره والذي تستطيع أن تصارحه بأخفى أسرار حياتها. لقد أخطأت ... حسن. وماذا في هذا؟ ولقد أمكنت رجلا من نفسها. حسن جدا وهل كان هذا إلا بمشيئتها؟ وسيحتقرها الناس ويمتهنونها فماذا يهم إن أمامها الحياة وضوء الشمس والدنيا الطويلة العريضة، وأما من حيث الرجال فهم كثر وستأسى أمها وتحزن. حسن إن هذا شأنها هي إذا شاءت ذلك. وإن ليدا لتجهل شباب أمها ولا تعرف عنه لا قليلا ولا كثيرا ومتى ماتت فلن يبقى مجال للبحث والتنقيب. ولقد التقيا مصادفة في طريق الحياة وترافقا مسافة فهل هذا سبب يدعوهما إلى تبادل المقاومة والمعارضة؟
وتبينت ليدا أنها لن ترزق حرية أخيها، وإنما خطرت لها هذه الآراء بتأثير هذا الرجل القوي الساكن الذي تعجب به وتحبه فطافت برأسها خواطر غريبة ... خواطر ليست مشروعة الصبغة وحدثت نفسها أن «آه لو كان غريبا ولم يكن أخي!»
وبادرت فعالجت أن تخنق هذا الخاطر الفاضح المغري.
ثم ذكرت نوفيكوف فاشتاقت كالرفيق العزيز أن يمنحها عفوه ورضاه، وسمعت وقع أقدام فتلفتت، وجاء إليها سانين ونوفيكوف في سكون ولم تستطع أن تتبين وجهيهما في الظلام، ولكنها أحست أن اللحظة المرهوبة قد دنت فاصفر وجهها وكأنما أوشكت الحياة أن تنتهي.
وقال سانين: «هذا أنت؟ لقد جئت إليك بنوفيكوف وسيقول لك كل ما عنده فامكثا هنا ريثما أذهب وأعود بشيء من الشاي.»
وانقلب عنهما مسرعا فظلا هنيهة يرقبان قميصه الأبيض يغيب في ظلمة الليل، وكان السكون من العمق بحيث ظناه لم يجاوز ظلال الأشجار المحيطة بهما.
وقال نوفيكوف بصوت رقيق متهدج وقع من قلبها أعمق وقع: «ليدا بتروفنا؟»
فقالت لنفسها: «مسكين! ما أطيبه!»
ناپیژندل شوی مخ