قال يحيى بن معاذ: إلهنا أبداننا أسراء الدنيا، وقلوبنا أسراء الهوى ونحن بين ذلك مأخوذون بالأوامر والزواجر نتمنى الصفا ساعةً من الدهر، أو نفر إلى بابك بالإخلاص لحظة من عمرنا، فنكتب بالدموع قصة الخشوع، ونمد يد العبودية إلى عز الربوبية، ولا نقدر على ذلك، فها نحن واقفون موقف الاعتذار والاقتراف والاقتراب (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) فعليك يا أخي بالصدق مع الله تعالى فيما جمع مما ذكر وما سيذكر والصدق قوام العمل، والصدق مع الله حامل على ترك ما يكره الله تعالى، قال الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) والصادقون ثلاثة: صادق في أفعاله، وصادق في أقواله، وصادق في أحواله. فأما الصادق في أفعاله، فله ست علامات: إظهار التوبة، ودوام البكاء، وكثرة الخضوع، والمواظبة على الجهد، وصحة المراقبة، والمبادرة إلى الأوامر مع تجنب النواهي. والصادق في أحواله: له ست علامات: الزهد في الدنيا، والبذل إذا أنفق، والإيثار مع الضرورة، وحسن الخلق، وصحة التوكل، وقول الحق وعلمه. وأما الصادق في أقواله: فله ست علامات: الوقوف بين يدي الخوف، والرجاء، ورياضة النفس بالتقوى، واليقين، والقيام بالشكر، والصبر، ومراقبة الحياء، والإخلاص، والعمل بالتسليم، والرضا بحسن الأدب على بساط الانبساط. قال أبو عبد الله: وقد سئل ما أحسن ما توجه العبد به إلى الله؟ قال: الصدق وأقبحه الكذب. وكان يحيى بن معاذ يقول في محاسبته لنفسه: يا من خلفه الأجل وقُدّامَه الأمل لا ينجيك إلا صدق العمل. وقال أحمد بن حضرويه: من أراد أن يكون الله معه فلْيَلْزم الصدق، وهذا الكلام قاله المحققون - رضي الله عنا وعنهم ونفعنا بعلومهم.
بيان وطء المرأة في دبرها وهو من الكبائر:
قال الله تعالى: (ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم) . وقال تعالى: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) والحرث: الماء يكون مكان الزرع. وعن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال في الذي يأتي امرأة في دبرها: " هي اللوطية الصغرى ". وعن ابن عباس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلًا أو امرأة في الدبر ". رواه الترمذي وقال: حديث غريب. وقال ﷺ: " من أتى حائضًا أو امرأة في دبرها أو كاهنًا فصدقه فقد كفر وقال: وقد بريء مما أنزل الله على محمد " رواه أبو داود والترمذي.
فصل
في معنى قوله (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنَّى شئتم)
أي مقبلات ومستدبرات، ومستلقيات يعني بذلك في موضع الولد وهذه الأحاديث نص في إباحة الحال والهيئات كلها إذا كان الحرث في موضع الزرع، وهو الفرج أي كيف شئتم من خلف ومن قدام باركة أو مستلقية، إن شاء مُجَبّية، وإن شاء غير مجبية، ذلك في صمام واحد، ويروى في سام واحد بالسين، قاله الترمذي. وروى النسائي عن أبي النضر أنه قال لنافع مولى ابن عمر: قد أكثر عليك القول إنك تقول عن ابن عمر إنه أفتى بأن يؤتى النساء في أدبارهن قال نافع: لقد كذبوا علي ولكن سأخبرك كيف كان الأمر، إن ابن عمر عرض على المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ (نساؤكم حرث لكم) قال نافع: هل تدري ما أمر هذه الآية؟ إنا كنا معشر قريش نجبي النساء، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد من نسائنا فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه وكان نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله (نساؤكم حرث لكم) . وعن جابر ﵁ أن اليهود كانت تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها ثم حملت كان ولدها أحول فنزلت (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنَّى شئتم) زاد في رواية عن الترمذي: " يعني صماما واحدًا ". رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة ﵁: " من أتى النساء في أدبارهن والرجل فهو كافر " وعنه أيضًا: " ملعون الذي يأتي المرأة في دبرها ". وقال عمر بن الخطاب ﵁: " استحيوا من الله فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن ".
بيان تحريم إتيان النساء في الحيض وإباحة الاستمتاع بهن فيما بين السرة والركبة
1 / 48