وعن أبي سعيد وأبي هريرة ﵄ قال رسول الله ﷺ: " ليلتينَّ عليكم أمراء يقربون شرار الناس ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها فمن أدرك ذلك فلا يكونن عريفا ولا شرطيًّا ولا جابيًا ولا خازنًا " رواه ابن حبان في صحيحه. وهذه الأحاديث كلها أخذتها من الترغيب والترهيب.
؟ فصل
؟؟؟ في الغيرة
قال الله تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن) الغيرة على ستة أنواع على كل نوع منها دليل من القرآن اختصرناه خشية التطويل: فالأول: غيرة على أفعال الأبدان أن يخدم بها لغير الله تعالى.
الثاني: غيره على أقوال اللسان أن يذكر بها غيره فلا يدعى إلا هو ولا يذكر إلا هو.
الثالث: غيرة على خواطر الجنان أن يخطر فيها غيره فلا يراقب إلا هو ولا يطلع عليها إلا هو.
الرابع: غيرة على هواجس الضمائر أن يوجد فيها غيره.
الخامس: غيرة على مكنون السرائر أن تحتوي على غيره؛ فلا تشتغل إلا به ولا تخلص إلا له.
السادس: غيرة على أسرار السرائر أن يطلع عليها غيره ولا تنكشف إلا عنه ولا تخلص إلا هو.
واعلم أن الغيرة كراهية مشاركة. ثم الغيرة على ضربين: غيرة الحق للعبد: وهو أن يصونه فلا يجعل للخلق على أفعاله وأقواله وأعماله وأنفاسه وإحساسه وأسراره وإضماره سبيلا.
وغيرة العبد للحق: وهو أن يختص في تعظيم حقوقه ويخلص في تصنيفه معرفته فلا يجعل للخلق في أحواله طريقا ولا نصيبا، ولا يقال: غار على الله لأن ذلك جهل، وترك دين وإنما يقال: غار لله قال رسول الله ﷺ: " ما أحد أغير من الله ﷻ ومن أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ". وقال ﵇: " إن الله تعالى يغار وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم الله عليه ". قال معروف الكرخي - رحمة الله عليه -: علامة مقت الله تعالى للعبد أن تراه مشتغلًا بما لا يعنيه. وقال إسحاق بن إبراهيم: سمعت الفضيل بن عياض - رحمه الله تعالى - تسأله الجنة، وتأتي بما يكره، ما رأيت أقل نظرًا منك! غيرة الحق أنه لا يرضى بمشاركة الغير مما هو حق له من طاعات عبده. قال إبراهيم بن أدهم: الغيرة أن يهاجر من سواه حتى يبلغ مقام الأنس ويقف بين الخوف والرجاء. وقيل: مرضت رابعة العدوية ﵂ فقيل لها: ما سبب مرضك؟ قالت: نظرت إلى سواه فأدبني بالغيرة لعلي لا أعود. وقال أبو عبد الله الحصري: رأيت في البادية غلامًا أحنف وهو يمشي بجهد جهيد، وذلك طيب على قلبه فيما كان فيه من مشاهدة الأنس والوصال فقلت: يا ولدي كيف الطريق؟ فقال: هاهنا وأشار إلى السماء فقلت: كيف؟ فقال: الأكوان كلها حجاب في معرفة الملكوت قال: فوجدت قلبي مع كلامه فتمسكت بأطماري وأنا باك شاهق فقال: خُذْ عَنِّي فإنه غيور، أَهْلَك من أَهْلَك لنظرهم إلى الأغيار، وأضل من أضل لتهتكهم حجب الأسرار، ثم غاب عني فكأنه ملك وعظني وانصرف. فتب إلى الله، واحذر من غيرة الله، والزم قلبك الخوف والخوف من الاستدراج قال الله تعالى: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) .
فصل
في الفرار
قال الله تعالى: (ففروا إلى الله) الفارون على ثلاثة أصناف: وقد وصف الله تعالى كل واحد منهم بوصف.
فصنف منهم هم القاصدون إلى الفرار إلى الله تعالى وهم: التائبون النادمون.
الثاني: هم السالكون طرق الفرار إلى الله تعالى وهم: العارفون المعترفون.
والثالث: هم الواصلون إلى الله تعالى وهم: المتقون. واعلم أن الفرار على أنواع: الأول: فرار من الدنيا إلى المولى.
الثاني: فرار من الشيطان إلى المولى.
الثالث: فرار من النفس إلى المولى الرابع: فرار من الهوى إلى المولى الخامس: فرار من المنى إلى المولى السادس: فرار من القلب إلى المولى السابع: فرار من الله إلى الله.
وقال أبو العباس: الفرار أربعة: فرار من الخلق، وفرار من النفس، وفرار من القلب إلى الله، وفرار من الله إلى الله والكل يجمعه (ففروا) . قال سهل بن عبد الله: ففروا إلى الله منه ومما سوى الله إلى الله.
قال سفيان: ففروا من الجهل بالله إلى العلم بالله.
1 / 47