وبعد فإذا فرغت من مسح الرأس والأذنين، فاغسل بعد ذلك القدمين، تبدأ بيمناهما قبل يسراهما، غسلا سابغا يستقصى به انقاؤهما، فإن الله أمر بذلك فيهما، وحكم بالغسل عليهما، لقوله سبحانه :{ فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق } [المائدة: 6]، فاغسلوها، { وأرجلكم إلى الكعبين } فاغسلوها، فألحقهما بالوجه واليدين في النسق، وتابع بينهن كلهن جميعا في نسقهن باللحق، ليس بين ذلك كله فرق في فهم ولا تفسير، إلا ما في اللسان العربي من التقديم والتأخير. فتأويل: { إلى المرافق }، و{ إلى الكعبين }، فيما جعل الله في اللسان العربي من التبيين، كقول القائل: وحتى الكعبين، كما يقول القائل خرجت إلى الكوفة يريد دخلتها، وصرت إلى مكة، يعني دخلتها، فهذه حدود الوضوء، لكل طرف وعضو، ليس لأحد من الخلق كلهم أن ينتقصها، بعد الذي بينها الله به من أمرها وخصها، ومن انتقص من حدودها شيا، لم يكن شيا من وضوءه له في صلاته مجزيا، ومن قدم منها مؤخرا، أو أخر من حدودها مقدما، لم تجزه طهارته، ولزمه إذا لم يضع كل شيء منها موضعه إعادته.
مخ ۴۶۷