سجينه تهران
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
ژانرونه
قالت صديقة جدتي: «يمكنك الاحتفاظ به يا عزيزتي.» وهو ما أسعدني كثيرا. ***
كانت جدتي تصطحبني إلى الحديقة العامة كل يوم، فهناك حديقة عامة فسيحة تدعى «حديقة فالياد» على مسيرة نحو عشرين دقيقة من المنزل. كنا نقضي الساعات نستكشف الحديقة وننظر بإعجاب إلى أشجارها العتيقة وأزهارها العطرة. وفي أيام الصيف الحارة، كنا نجلس على مقعد طويل نتناول المثلجات. في منتصف الحديقة كانت توجد بركة ضحلة في وسطها نافورة تقذف بالمياه عاليا في الهواء وحولها العديد من النافورات الصغيرة. كنت دائما أقف بجوار البركة وأدع الرياح تنثر رذاذ المياه فوقي. حول البركة كانت توجد تماثيل برونزية لفتيان صغار يختلف شكل كل منهم عن الآخر؛ فأحدها يقف شامخا ينظر إلى السماء، وآخر ينحني بجوار المياه كأنه يبحث عن شيء ثمين مفقود، وثالث يشير بعصا نحاسية نحو المياه، ورابع يقف على ساق واحدة ويرفع الأخرى في الهواء كأنه يستعد للقفز في البركة. جمعت مسحة من الحزن والوحدة بين هذه التماثيل، فكانت تبدو وكأنها حقيقية لكنها تجمدت إلى الأبد في وضع ثابت كئيب أعجزها عن التحرر.
كانت الأرجوحة متعتي الكبرى، كانت جدتي تعلم أنني أحب الانطلاق عاليا بها، وكانت دائما تدفعني بأقصى قوتها، وكنت أحب مداعبة الرياح لخصلات شعري واختفاء العالم من تحتي. وفي عالمي الصغير الذي لم يتجاوز الأعوام السبعة، كان يخيل إلي أن الحياة ستظل هكذا إلى الأبد.
ذات يوم في فترة ما بعد الظهيرة، وبينما كنت أجري في الحديقة، نادتني جدتي من مسافة بعيدة كي تخبرني بأن الوقت قد حان للعودة إلى المنزل، ولكنها نادتني باسم خطأ، حيث دعتني تامارا. أسرعت نحوها حائرة وسألتها من تكون تامارا، فاعتذرت لي وأخبرتني أنه من الأفضل أن نعود إلى المنزل لأنها لا تتحمل شدة الحرارة، فانطلقنا في رحلة العودة سيرا على الأقدام. بدت متعبة، وتعجبت لذلك، لأني لم أرها مريضة أو متعبة من قبل.
سألتها مرة أخرى: «من تكون تامارا؟» - «إنها ابنتي.» - «لكن ليس لديك بنات يا جدتي، ليس لديك سواي أنا حفيدتك.»
أخبرتني أن لديها ابنة تدعى تامارا، أكبر من والدي بأربعة أعوام، وأني أشبهها كثيرا كأني توأمها. تزوجت تامارا رجلا روسيا وهي في السادسة عشرة من عمرها، وعادت إلى روسيا معه. سألتها لماذا لم تزرنا تامارا قط، فأخبرتني جدتي أنه غير مسموح لها بمغادرة روسيا؛ فالحكومة السوفييتية لا تسمح لمواطنيها بالسفر إلى الدول الأخرى بسهولة. اعتادت جدتي أن ترسل لتامارا الثياب الجميلة والصابون ومعجون الأسنان، لأن تلك الأشياء يصعب العثور عليها هناك، إلى أن تلقت خطابا من جهاز «السافاك» - البوليس السري للشاه - يقول إنه غير مسموح لها بالتواصل مع أي شخص في الاتحاد السوفييتي.
سألتها: «لماذا؟» - «الشرطة هنا تعتقد أن روسيا دولة شريرة، ولذا أخبرونا أننا ممنوعون من مراسلة تامارا أو إرسال أي شيء لها.»
وبينما كنت أحاول استيعاب تلك المعلومة الجديدة عن عمتي التي لم أعرفها قط، تابعت جدتي الحديث كأنها تتحدث مع نفسها. لم أتمكن من فهم كثير مما قالت، فقد ذكرت أسماء أشخاص وأماكن لم أسمع عنها من قبل، واستخدمت كلمات غريبة وغير مألوفة، فكنت ألتقط أجزاء متفرقة من حديثها. أخبرتني أنها عندما كانت في الثامنة عشرة من عمرها وقعت في غرام شاب قتل فيما بعد أثناء الثورة الروسية. أخذت تصف منزلا ذا باب أخضر يطل على شارع ضيق ونهر واسع وجسر كبير، وتحدثت عن جنود يمتطون الخيول ويطلقون النار على أحد الحشود. - «... استدرت فوجدته قد سقط أرضا. أصابته إحدى الرصاصات. كانت الدماء في كل مكان. احتضنته فلفظ أنفاسه الأخيرة بين ذراعي ...»
لم أكن أرغب في سماع المزيد، لكنها لم تكن لتتوقف. لم أستطع تغطية أذني بيدي؛ فهو تصرف غير لائق وسوف يغضبها. ربما يمكنني إسراع الخطى وترك مسافة بيني وبينها، ولكن هناك خطبا ما، فهي ليست على ما يرام، وعلي أن أعتني بها. أخيرا بدأت أدندن وطغى صوتي على كلماتها. لطالما كانت تحكي لي الحكايات قبل النوم، ولكنها جميعا كانت تنتهي نهايات سعيدة، ولم يكن بها أي قتلى. كنت أعلم أن الأخيار يذهبون إلى الجنة بعد الموت، وهكذا لا يمكن أن يكون الموت سيئا إلى هذا الحد، ولكنه ما زال يخيفني. إنه أشبه بالسير نحو ظلام دامس قد يصيبك فيه أي مكروه، ولم أكن أحب الظلام على الإطلاق.
كنا نسير باتجاه المنزل عندما توقفت عن الكلام فجأة ونظرت حولها، وبدت تائهة حائرة. ومع أننا كدنا نكون قد وصلنا، فقد كان علي أن آخذ بيدها وأقودها ما تبقى من الطريق. المرأة القوية التي عرفتها طوال حياتي، الصديقة الحميمة التي كنت أعتمد عليها، المرأة التي كانت دائما بجواري تساعدني أصبحت ضعيفة فجأة، أصبحت كطفلة مثلي تماما. جدتي التي كانت دائما تستمع ونادرا ما تتفوه بأكثر من بضع كلمات في المرة الواحدة أخبرتني قصة حياتها. صدمتني كلماتها عن الدماء والعنف والموت. لطالما كان عالمي آمنا معها، لكنها أخبرتني أن كل شيء إلى زوال. شعرت أن جدتي تحتضر، رأيت ذلك في عينيها كأن أحدهم همس به في أذني.
ناپیژندل شوی مخ