سجينه تهران
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
ژانرونه
عندما فتحت عيني لم أدرك أين أنا، وعندما بدأ ذهني يصفو رويدا رويدا أدركت أنني لم أعد في دورة المياه ولكنني أرقد على الفراش الخشبي الذي شهد تعذيبي. كان علي يجلس على مقعد يراقبني. شعرت بأن رأسي يؤلمني كثيرا، وعندما تحسسته وجدت كدمة كبيرة على الجانب الأيمن من جبيني. سألته عما حدث، فأخبرني أنني سقطت في دورة المياه مغشيا علي فارتطم رأسي بالأرض، وأخبرني أيضا بأن الطبيب فحصني وأكد أن حالتي ليست خطرة، ثم ساعدني على الجلوس في مقعد متحرك وعصب عيني مرة أخرى ودفعني خارج الغرفة. وعندما نزع العصابة عن عيني وجدت نفسي في غرفة ضيقة بلا نوافذ وبها مرحاض وحوض في أحد جوانبها، بالإضافة إلى بطانيتين عسكريتين رماديتين على الأرض. ساعدني على النوم وغطاني بإحداهما. كانت خشنة يابسة تفوح منها رائحة العفن، لكنني لم أهتم، فقد كدت أتجمد بردا. سألني هل أشعر بالألم، فأومأت برأسي متعجبة من حسن معاملته لي. تركني ثم عاد بعد بضع دقائق ومعه رجل متوسط العمر يرتدي زيا عسكريا قدمه لي على أنه الطبيب الشيخ.
حقنني الطبيب في ذراعي، ثم غادر كلاهما الزنزانة. أغلقت عيني، وفكرت في منزلي. تمنيت لو أن بإمكاني التسلل إلى فراش جدتي كما كنت أفعل وأنا طفلة لتخبرني بأنه لا يوجد ما يدعو إلى الخوف، وأن كل ذلك ليس سوى كابوس.
الفصل الثالث
عندما كنت طفلة صغيرة كنت أحب سكون طهران وألوانها الزاهية في الصباح الباكر؛ إذ كنت أشعر بالحرية والخفة كأنني محجوبة عن الأنظار. كان ذلك هو الوقت الوحيد من اليوم الذي يمكنني فيه التجول بحرية داخل صالون التجميل الذي تمتلكه أمي؛ فكنت أتنقل بين مقاعد تصفيف الشعر ومجففات الشعر دون أن تغضب مني. ذات صباح من شهر أغسطس 1972 وأنا في السابعة من العمر أمسكت بمطفأة السجائر الكريستالية المفضلة لديها. كادت تصل في حجمها إلى حجم طبق الطعام، وقد سبق وحذرتني أمي آلاف المرات من لمسها، لكنها كانت جميلة للغاية، وأردت أن أمرر أصابعي على نقوشها الرقيقة. أدركت سر حب أمي الشديد لهذه المطفأة، فهي تبدو ككتلة ثلجية عملاقة لا تذوب أبدا. وحسبما أتذكر، كانت المطفأة موضوعة في منتصف مائدة زجاجية، وكانت مرتادات الصالون من السيدات - بأظافرهن الطويلة المطلية باللون الأحمر - يجلسن في مقاعد الانتظار المغطاة بقماش أبيض وثير ويطفئن سجائرهن فيها، وكن أحيانا يخطئن التصويب فيتساقط الرماد على المائدة. كانت أمي تكره اتساخ المائدة، وكلما أحدثت أي نوع من الفوضى صرخت في وجهي وأمرتني بتنظيفها. لكن ما جدوى التنظيف إذا كانت الأشياء تتسخ طوال الوقت.
أمسكت بالمطفأة ورفعتها في يدي. كان شعاع ذهبي شفاف من الضوء يتسلل من النافذة الوحيدة بالغرفة التي تحتل أكثر من نصف مساحة الحائط الجنوبي، والضوء ينعكس على السقف الأبيض ويتفرق في ثنايا المطفأة الشفافة اللامعة. وبينما أميلها كي أنظر إليها من زاوية أخرى إذ انزلقت من بين أصابعي، فحاولت أن ألتقطها، ولكن كان الأوان قد فات، فسقطت على الأرض وتحطمت.
صاحت أمي من غرفة نومها المجاورة للصالون: «مارينا!»
جريت إلى اليسار عبر الباب المؤدي إلى الممر المظلم الضيق، واندفعت إلى غرفتي، وتسللت أسفل فراشي. كان الجو مشبعا برائحة الغبار التي أحرقت أنفي، فكتمت أنفاسي كي لا أسعل. ومع أنني لم أر أمي، فقد سمعت صوت خفها المطاطي على مشمع الأرضية، وجعلني وقع خطواتها الغاضبة أنكمش بجوار الحائط. نادتني عدة مرات أخرى، ولكنني ظللت ساكنة. وعندما دخلت غرفتي ووقفت إلى جوار فراشي سمعت جدتي تتساءل عما حدث، فأخبرتها أمي أني كسرت المطفأة، ولكن جدتي قالت إنني لم أكسرها، بل هي التي كسرتها أثناء تنظيف المكان. لم أصدق أذني، فقد أخبرتني جدتي بأن جهنم مصير الكاذب بعد الموت.
سألتها أمي متعجبة: «أنت كسرتها؟!»
أجابت جدتي: «نعم، كنت أنظف المائدة من الغبار. كان حادثا، وسأنظف المكان على الفور.»
بعد قليل شعرت بثقل جسد ارتمى على الفراش، فرفعت الملاءة القديمة ذات اللون البني الفاتح عن الأرض، ورأيت خفي جدتي البنيين وساقيها النحيلتين. تسللت خارجة من تحت الفراش وجلست بجوارها. كان شعرها الأشيب مشدودا بإحكام خلف رأسها، ترتدي تنورة سوداء وقميصا أبيض مكويا بعناية، وتحدق في الحائط مباشرة. لم يكن يبدو عليها الغضب.
ناپیژندل شوی مخ