سجينه تهران
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
ژانرونه
وفي طريقنا للعودة توقفنا عند مطعم صغير، حيث أحضر علي لكل منا شطيرة من البيض وزجاجة من المياه الغازية. كنت أحب البيض، ولم أتناوله منذ عدة أشهر. تناولنا الطعام في السيارة. كان الخبز طازجا ومدهونا بالزبد، وبه شرائح من الطماطم بين شرائح البيض المسلوق. عندما انتهيت من شطيرتي لم يكن علي قد أنهى نصف شطيرته بعد، وعرض علي أن أتناول شطيرة ثانية، فوافقت، ثم اشترى لكل منا شطيرة أخرى.
عندما وصلنا «إيفين» أوقف علي السيارة أمام أحد المباني ودخلناه. امتد أمامنا ممر طويل خافت الإضاءة به العديد من الأبواب المعدنية على الجانبين. تقدم أحد الحرس نحونا. - «السلام عليكم أخ علي، كيف حالك؟» - «بخير أخ رضا، الحمد لله. كيف حالك أنت؟» - «بخير، الحمد لله.» - «هل الزنزانة التي طلبتها جاهزة؟» - «نعم، تفضل من هنا.»
تبعناه نحو باب يحمل الرقم «27» حيث أدخل مفتاحا في القفل وأداره، فأصدر الباب صريرا مرتفعا تردد صداه في الممر. دخل علي الزنزانة وتفحصها، ثم خرج وطلب مني أن أدخل ففعلت. كانت مساحة الزنزانة تبلغ نحو ثلاثة أمتار في مترين، وبها مرحاض وحوض صغير كلاهما من الصلب المقاوم للصدأ، والأرض مغطاة بسجادة مهترئة بنية اللون، والنافذة الوحيدة التي يبلغ كل من طولها وعرضها ثلاثين سنتيمترا مدعومة بقضبان حديدية وبعيدة عن متناول يدي. وقف علي عند الباب. - «ستكونين على ما يرام هنا، وسوف أحضر لك الإفطار في الصباح، والآن يمكنك الخلود إلى النوم.»
راقبت الباب وهو يغلق، وسمعت صوت المفتاح وهو يدور مغلقا القفل، وبدا صوت إغلاقه كأنه يقول «خائنة».
انطلقت الموسيقى العسكرية عبر مكبرات الصوت؛ يبدو أن هناك انتصارا آخر. لو أن كل تلك «الانتصارات» حقيقية لكانت إيران قد غزت العالم بأكمله الآن.
نزعت غطاء رأسي، وذهبت إلى الحوض، وغسلت وجهي فشعرت بتحسن، وكررت ذلك نحو ثلاثين مرة حتى شعرت بالخدر في وجهي. كان صوت المياه الجارية وبرودتها يشعرانني بالراحة؛ فالمياه تصلني بالعالم بصورة ما، غير أن تلك الصلة - وإن كنت أشعر بها على بشرتي - بدت كذكرى بعيدة. الارتياح الذي أشعر به عندما تلامس المياه جسدي لم يكن ينتمي إلى الحاضر وإنما إلى الماضي؛ ارتياح بطعم الحنين والحزن.
شعرت بالإرهاق، ووجدت بطانيتين عسكريتين مطويتين في أحد الأركان، فبسطتهما على الأرض ورقدت. كانت حوائط الزنزانة مطلية باللون البني الفاتح، ولكن بعض الطلاء كان متساقطا كاشفا عن الجص تحته، وبقية الطلاء مغطى ببصمات الأصابع وعلامات غريبة زلقة بأشكال وأحجام مختلفة، وبعض البقع باللون الأحمر الداكن التي اشتبهت أنها دماء، بالإضافة إلى بعض الكلمات والأرقام المحفورة في الحوائط ومعظمها غير مقروء. تتبعت النقوش بأصابعي كأنها كتبت بطريقة برايل. قرأت أحدها: «شيرين هاشمي، الخامس من يناير 1982. هل يسمعني أحد؟»
يوم الخامس من يناير كنت في منزلي بينما تلك الفتاة هنا. ترى أين هي الآن؟ ربما لقيت حتفها. كم كان قدر ما لاقت من عذاب عندما كتبت هذه الكلمات: «هل يسمعني أحد؟» - «كلا شيرين، لا أحد يسمعنا، فنحن هنا وحدنا.»
قرأت أسماء أخرى : مهتاب، وباهرام، وكتايون، وبيروز، بالإضافة إلى المزيد من التواريخ: 2 ديسمبر 1981، 28 ديسمبر 1981، 12 فبراير 1982، وغيرها. تمكنت أيضا من قراءة جملة تقول: «أحبك يا فيروز جان.» ترك السجناء السابقون بصماتهم على الجدران المحيطة بي. تتبعت خطا وهميا - كطريق على الخريطة - يصل بين الكلمات والتواريخ والعبارات التي تحيط بي كشواهد القبور. الموت حاضر هنا يلقي بظلاله على كل كلمة ليخلص إلى عبارة واحدة: «هل يسمعني أحد؟»
أنا خائنة، وأستحق هذه المعاناة، وهذا الألم، وهذه الزنزانة. في اللحظة التي دخلت فيها «إيفين» حكم علي بخيانة نفسي. حتى الموت أدار ظهره لي. سوف يكرهونني؛ والداي، وأندريه، والقساوسة، وأصدقائي. وماذا عنك يا الله؟ هل تكرهني أيضا؟ كلا، لا أعتقد ذلك، وإن كنت لا أستبعده. ما هذا العبث؟ من أكون حتى أقرر كيف تفكر؟ لكنك من وضعني هنا، أليس كذلك؟ كان من الممكن أن تتركني أموت، لكنني بقيت على قيد الحياة. هذا إذن قرارك وليس قراري. ماذا كنت تتوقع مني؟ أرجوك، أتوسل إليك، قل شيئا ...
ناپیژندل شوی مخ