261

ساعتونه د کتابونو ترمنځ

ساعات بين الكتب

ژانرونه

حدث عن أحد هؤلاء الكهان أو اللامات المعروف باسم «شجون لاما» فقال: «إنه كانت له الزعامة على جميع القبائل الرحالة في منغوليا الغربية وزنجاريا، وكان يبسط سلطانه حتى على القبائل المنغولية في تركستان، وله جاه لا يغالب بفضل ما له من الهيمنة على أسرار العلم الباطني كما يسميه، وسمعت أن جاهه هذا قائم كذلك على الفزع الذي يداخل المنغوليين منه؛ إذ لا يخالفه أحد إلا هلك، وكنت معه والريح تصفر وتزأر حول خيمته وترمي بالثلج عليها وأصداء الطبيعة تختلط بما يشبه الصريخ والإعوال والقهقهة من جميع الجوانب، فشعرت أنها بيئة لا يصعب فيها إرهاب البدوي الجوالة بالمعجزات، لأن الطبيعة نفسها قد هيأت لها دواعيها، وما كاد يسنح لي هذا الخاطر حتى رفع «شجون لاما» رأسه على حين فجأة ونظر إلي نظرة نافذة وهو يقول: «إن في الطبيعة لكثيرا من المجهول وإن البراعة في استخدام هذا المجهول هي التي تجيء بالمعجزة الخارقة، ولكنها قوة لا يمنحها إلا القليل وسأريكها الآن، ولك - بعد - أن تخبرني هل رأيت أنت شرواها أو لم تره قبل الآن.» ثم وثب وشمر عن ساعديه وقبض على مديته ودلف إلى الراعي وناداه آمرا «ميشيك! قف». فلما وقف الراعي أسرع اللاما بفك أزرار قميصه وعرى صدره، وإني لأسأل نفسي ماذا عسى أن يصنع اللاما إذ به يدفع مديته بكل ما أوتي من قوة في صدر الرجل، وإذا الرجل صريع يهوي على الأرض متخبطا في دمه فيطفو شؤبوب من الدم على رداء الحرير الأصفر الذي كان يلبسه اللاما، فصحت به: ماذا فعلت؟ فهمس قائلا: صه. لا تتحرك! وأدار لي وجهه ممتقعا شديد الامتقاع، ثم فتح صدر الراعي المنغولي ببضع ضربات فرأيت رئتيه تتنفسان نفسا هادئا، والقلب ينبض نبضه المعدود، ولمس اللاما هذه الأعضاء فانقطع تفجر الدم ولاح وجه الراعي على أتم هدوء، وأخذ اللاما بفتح بطنه فأغمضت عيني فزعا، ثم فتحتهما بعد هنيهة فكانت دهشتي أعظم وأدهى حين رأيت الراعي نائما وقميصه مفكوكا وصدره سليما وهو راقد على جنبه واللاما جالس ساكن الجأش إلى جانب الموقد يدخن بيبته في تفكير عميق.»

قال الدكتور أسندوسكي: فعلمت أنني أخذت بقدرة اللاما المغناطيسية، وآثرت ذلك على أن أرى المنغولي المسكين يموت؛ لأنني لم أكن لأصدق أن اللاما قادر على أن يعيد ضحاياه إلى الحياة بعد أن يمزق أبدانهم ذلك التمزيق. •••

وليس من الصعب على ما يظهر أن يؤخذ الأوربيون المتعلمون بقدرة اللامات المغناطيسية ويقعوا في أسر سلطانهم الروحي، فيؤمنوا بوحيهم أوثق الإيمان، فقد روى الدكتور «أسندوسكي» عن قائد روسي من أعداء الشيوعيين اسمه «يونجرن» مطلع على الفلسفة والأدب غريب الأطوار، كان في بلاد المغول وكان يستنبئ الحبر الأعظم عن كل شيء، ويعتقد أن خلاص العالم من بلائه سوف يكون على أيدي البوذيين.

وإلى هنا لا عجب أو العجب قليل، ولكن العجيب في الأمر أن يسأل هذا القائد الحبر الأعظم عن مصيره فينبئه أنه سينتهي بعد مائة وثلاثين خطوة، فيكون ما أنبأ به الحبر الأعظم، ويقول الأستاذ في ذاك: «بعد نحو مائة وثلاثين يوما وقع البارون «يونجرن» في أسر البلاشفة بخيانة ضابطه، فنفذ فيه حكم الموت في نهاية شهر سبتمبر.»

ولا يحسبن القارئ أن العالم الذكي الذي يكتب هذا مخدوع في قداسة الحبر الأعظم أو أنه لا يعرف عنه ما يضعف الإيمان بالقداسة، فهو يقص عليك أن هذا الحبر يلهو، ويسكر، ويقامر، وأنه عمي من فرط المعاقرة وهم أطباؤه أن يسموه كما يفعلون أحيانا حين تقضي مصلحة الديانة بتنصيب حبر جديد، ولكنها ملكة السحر على ما نرى قد بلغت تمامها بعدما توارثها الأحبار أجيالا بعد أجيال، وأحاطتها الطبيعة بالمهيئات الكثيرة، وسرت عدوى التصديق بها من الأهلين إلى الغرباء.

وماذا يصنع الأستاذ «أسندوسكي» في بلاد تغلبه عقائدها، بل تغلبه خرافاتها فيرجع عنها وهو بين ضاحك وناقم وهازئ من الخرافة وهازئ من نفسه في آن؟ لقد حدثوه عن قبر «إبك خان» ولعنته ونقمة صاحبه على الدنيا، وحدثوه عن المصورين الذين حاولوا أن يصوروه فولوا عنه فزعين، فتاقت نفسه إلى تصويره فلم يكن بأسعد حظا من أولئك المصورين المزعومين، أما في المرة الأولى فقد نظر إلى زجاج الآلة الشمسية فلم ينظر عليه من آثر، فعاود الكرة فإذا الزجاج خلو من كل أثر كما كان في المرة الأولى، فعلل ذلك باعتراض تلك الأشعة التي يتفق في بعض الفلتات النادرة أن تمنع موجات النور التي يسمونها بالميتة أن تترك أثرا على صفحات الزجاج، وأما في المرة الثانية فقد انكسرت به وبزميله المركبة وتهشمت الآلة الشمسية وقفل من جولته غير مصدق بالنجاة، وكل ذلك لأن صاحب القبر «إبك خان» كان أميرا على ذلك المكان فخانه بعض أوليائه، وأعان عليه «جنكيز خان» فخرب بلاده وقتله بعد أن قتل ابنه، فلعن الدنيا والناس، وقال وهو يساق إلى الموت: «إنني أمقت كل إنسان وأمقت كل موجود، وويل لمن يأخذ من ناحية قبري شيئا فإنني منتقم منه، وستبقى روحي حائمة ها هنا كأنها ضباب الخريف.»

تلك هي اللعنة التي حرمت على كل إنسان أن يأخذ شيئا من قبر الأمير المنكوب، وحرمت حتى على النور أن يلقي ظلا لذلك القبر على زجاج التصوير! •••

عاد أسندوسكي إلى وطنه واشتغل بالتدريس في جامعاته وبالكتابة في مواضيع شتى من العلم والأدب، وظهر له هذان الكتابان في موضوع رحلته هذه، وهما كتاب «البهم والناس والأرباب» وكتاب «الإنسان والأسرار في آسيا»، فترجما إلى لغات كثيرة وقرأنا أولهما فشاقنا إلى قراءة الثاني فخرجنا منهما معا بخلاصتين: إحداهما أن مخاوف الطبيعة قد خيمت على عقول الآسيويين وضاعفت اللامات والسحرة فعلها في تلك العقول، وأساءوا توجيهها عامدين أو غير عامدين، ولكنهم - أي الآسيويين - قد ظفروا من كل ذلك بقوة روحية لا يستهان بها إذا نهضت شعوبهم، واتخذوا من روحياتهم مددا للأخلاق والحوافز النفسية وعوامل الرجاء، ورب يوم يحمد فيه القوم تلك القوة الخفية، بعد أن كان منها ما يستوجب المذمة إلى هذا الزمان.

والخلاصة الأخرى أن معاشرة الطبيعة على كثب قد نبهت فطرة بعض الشعوب الآسيوية في بعض الأمور فتفوقت فيها على الغربيين المتحضرين لاضطرار أبنائها إلى مراقبة الأجواء ورياضة الأوابد والاحتيال على اصطيادها، ودراسة عاداتها وضبط النفس في محاربتها وغير ذلك من ضروب للفروسية أهملتها الحضارة الحديثة حتى كلت في أبنائها حواس الفطرة التي قد تعوضنا عنها العلوم معرفة وصناعة، ولكنها لن تعوضنا عنها من مادة الحياة، فإذا كان للحضارة ما تعلمنا إياه، فللبداوة أن تعلمنا كثيرا من علوم الفطرة الصادقة، والفراسة المتيقظة ، وما حاجتنا إليهما بأقل من حاجتنا إلى المعارف والصناعات.

مع بافلوفا حول الدنيا

ناپیژندل شوی مخ