ساعتونه د کتابونو ترمنځ
ساعات بين الكتب
ژانرونه
نعم بغير يدين، لأن ربة الجمال أو الزهرة المعروفة في متحف اللوفر ب «زهرة ميلو» مكسورة الذراعين لا تملك أن تمد يدا إلى متوسل، ولا هي ممن يسمع النداء فيلبيه.
ومن طرائف الشاعر هيني أنه يحسن اللعب بهذه المحسوسات كثيرا، ولكنه لا يضعها إلا حيث تكون لها دلالة معنوية مطابقة لما يظهر للحواس، فربة الجمال هنا مكسورة الذراعين حسا ومعنى، وليس لها بإنقاذ العابدين يدان، لا في التماثل المصور ولا في عالم التصورات والخيالات.
لم كانت ربة الجمال بغير يدين؟
أما سبب ذلك في التمثال فسيأتي بيانه، وأما سببه في الجمال - الذي نتمثله في ذلك التمثال - فالروحيون يقولون: إنه لغرابة الجمال في الدنيا وإنه هو كمال علوي من العالم السماوي هبط، وفي العالم السماوي تكون له العزة والسيادة، فهو لا يزال في هذه الأرض كالغريب الطريد لا حول له ولا قوة ولا طاقة له بمغالبة الشرور والشهوات التي تعيث فيها، حتى يئوب إلى وطنه، ويرتفع إلى سمائه فيعتز هناك وتمد له يدان!
وإذا ترجمت هذا المجاز إلى لغة الحقيقة صح لك أن تقول: إن الدولة إنما تكون بالكثرة وإن إدراك الجمال في هذه الدنيا من أندر الأشياء ندرة، وإن خيل إلى أناس أنه شائع مشترك بين جميع الناظرين، فكل من يستعصي عليه إدراك مسألة من مسائل العلم، قد يأتي عليه اليوم الذي يدركها فيه ويذلل عصيها بإصراره وتأنيه. أما الجمال ففيه أسرار تستعصي على قوم فلا يدركونها أبدا، ولو طالت بهم الأعمار أحقابا وأدهارا بدل الأيام والسنين، فهو قليل النصير، وإن خيل إلى الناس أنه أكثر ما يكون في هذه الأرض نصيرا أو مفديا بالأرواح والأموال.
وكأن الأقدار شاءت أن تصحح خطأ وقع فيه المثال الإغريقي المجهول، فأبت أن يقوم التمثال في متحف اللوفر إلا مكسور الذراعين إحداهما من الكتف، والأخرى مما فوق المرفق، وهم يبحثون الآن - مرة أخرى بعد مرات كثيرة - كيف كان ذلك وأين ذهبت الذراعان المفقودتان، ويظنون أنهم سيجدونهما في ميناء «ميلو» حيث وجد التمثال، وإليها ينسب وحيث تعمل السفن النزافة في حفر أعماق الميناء؛ على أمل الوصول إلى القرار الذي سقطتا فيه.
وبعد فهل كان للتمثال قط ذراعان؟ يقول بعض النقاد الفنيين إنه صنع هكذا بغير ذراعين، ويستبعد ذلك الأكثرون من النقاد؛ لأنه غير معقول وغير معروف النظير، فيما بقي من آثار الإغريق الأقدمين، والأصح أن التمثال كان كامل الخلقة عند استخراجه من الأنقاض في سنة 1820، وقال الضابط الفرنسي دومون درفيل، الذي عني بشرائه لفرنسا إنه رأى الذراعين بعينه وإن يمناهما كانت تحمل المئزر عند الخصر، واليسرى كانت ممدودة وفي كفها تفاحة، ويرجح أن «زهرة آرلس» الكاملة مصنوعة على نمط قريب من هذا، فلا يبعد أن يكون التمثالان على شكل واحد أو متشابه.
أما كيف وجدت هذه الزهرة المبتورة الذراعين، فقصتها كقصة الكثير من المستخرجات الفنية التي يتفق العثور عليها لغير الفنيين، فقد كان فلاح من فلاحي جزيرة «ميلو» يحرث أرضه فتعثر المحراث، وخطر له أنه متعثر في حجر يعوقه، وأن وراء الحجر كنزا من النضار، فذهب يزحزحه ولكنه رأى وراءه حجرة مطمورة، ورأى فيها التمثال فعلم أنها لقية تغنيه إذا هو أحسن المساومة عليها، واتفق أن لمحه الضابط الفرنسي دومون درفيل فأبلغ قصته إلى المركيز دي ريفيير السفير الفرنسي في العاصمة التركية، وزين له أن يبتاعه بما يرضي الفلاح الذي يحتفظ به، ففعل وأهداه إلى لويس الثامن عشر ملك فرنسا في ذلك الحين، ويقول الأستاذ فيليب كار في مجلة «نيويورك تيمس»:
إن الذراعين كسرتا في نزاع نشب على ميناء ميلو بين البحارة الفرنسيين والبحارة اليونانيين، وإن المسيو دي مارسلس الذي اشترى التمثال لم يحزه إلا عنوة، وإن كان قد بذل فيه الثمن المطلوب؛ لأنه حين وصل لتسلمه كان قد بيع بيعة ثانية، وأوشك أن يحمل إلى سفينة يونانية يركبها أمير مجهول الأمر، هو الذي اشترى التمثال للمرة الثانية على يد قسيس أمريكي يقيم في الجزيرة، وكان الجزء الأسفل منه قد نقل فعلا حين أدركه الجند الفرنسيون وهزموا البحارة الآخرين وهم مسلحون بالبنادق والسيوف، واصطلموا أذن أحدهم ثم نقلوا ذلك الجزء من السفينة اليونانية إلى السفينة الفرنسية.
ولخصت مجلة الأوتلاين الإنجليزية - التي ننقل عنها - ما بقي من الفصل المتقدم، فإذا الكاتب يذكر هذا التعليل ويذكر تعليلا آخر لفقد الذراعين، وهو أن القائمين على متحف اللوفر كسروهما عمدا، أو كسروا إحداهما بعد وصول التمثال إلى باريس، وقد كان للضابط الفرنسي رفيق اسمه «ماتريه» زعم أن التمثال وصل إلى فرنسا بذراعه اليسرى، وأن هذه الذراع لم تكسر إلا في العاصمة الفرنسية.
ناپیژندل شوی مخ