ساعتونه د کتابونو ترمنځ
ساعات بين الكتب
ژانرونه
إن الذين يقتلون أنفسهم حبا من غير الشعراء الغزليين أكثر جدا من الذين يبلغون في الحب هذا المبلغ بين أولئك الشعراء، فلا ريب أن الشاعر لا يحسن الغزل بغير حب، ولكن لا ريب كذلك في أن الحب قد يعلو حين يهبط الغزل، وأن الغزل قد يعلو حين يهبط الحب على درجات لا تناسب بينها في العلو والهبوط، وسر ذلك أن شاعر الغزل يقسم نفسه بين محبوبين هما الحبيب والفن، فيكون نصيب الحب أجزل عنده من نصيب الفن، كما يكون نصيب الفن أجزل عنده من نصيب الحب، ثم لا يلزم أن يكون أحدهما على قدر الآخر، ولا أن يكون الغزل الجيد دليلا على العاطفة الجيدة في جميع الأحوال.
والشباب هو سن احتدام الشعور وهجوم الحياة، ولكن أي شباب وأي شعور؟ فقد يقضي الفتى أوائل شبابه ولا معنى للحب عنده إلا أنه «وظيفة فزيولوجية» مبهمة يساق إليها بغير هداية ولا تمييز، وقد يطلب الشريك في الحب وهو لا يعلم ما الذي يطلبه فيه، وما الذي يأخذه منه والذي يعطيه إياه؛ لأن الحب عنده هو جوعة جسدية أو نفسية يشبعها أي شريك يصادفه ويلفيه على مثل حاله من الرغبة والاشتياق؛ وقد يكون احتدام شوقه ناقصا من حبه، كما أن احتدام الجوع في الجائع يغنيه بكل طعام، ويجعل الأكل هو المقصود لذاته، لا الصنف ولا الطعم الذي يميز ذلك الصنف عن سواه.
والحب على أتمه وأعمه وأقواه هو تفاهم بين نفسين وامتزاج بين قلبين وجسدين، وقبل أن يفهم الإنسان نفسه كيف ينشد التفاهم مع نفس حبيبه؟ وقبل أن ينكشف له قلبه كيف يعرف مواضع الكشف والحجاب من القلوب؟ وقبل أن يكمل بناء جسمه كيف تكمل فيه رغائب الأجسام؟ وقبل أن يعرف النساء كيف يعرف المرأة؟ بل قبل أن يزاول الحياة كيف يزاول لباب العاطفة التي تنضجها الحياة؟ فليس الاحتدام هو الحب نفسه؛ لأن هذا الاحتدام قد ينقص من الحب، كما أن الحب قد يلهب الاحتدام فيمن يكون يعانيه، ولكن الحب هو التفاهم على إشباع حاجات النفوس والأجسام، ولا يكون تفاهم على هذا إلا حيث يكون فهم صحيح ناضج لما تحتاج إليه نفس المحب ونفس الحبيب.
فللشباب حبه وللرجولة حبها وللكهولة بعد ذلك حب لا يشبه الحبين، وقد تعتري كل عاطفة من هذه العواطف زيادة في الشعور، ونقص في التفاهم، أو زيادة في التفاهم، ونقص في الشعور، أو تكافؤ بين الاثنين فلا يمنعهما شيء من ذلك أن تقول، وأن تزود الشاعر بمؤنة الغزل والتشبيب.
وإذا تقضى الشباب، وتقضت بعده الرجولة، وتقضت بعدهما الكهولة فهل تنفد مؤنة الغزل وهل تبطل دواعيه؟ كلا! هناك الحنين والتذكار وكلاهما مؤنة للغزل لا تنفد وداعية حاضرة في كل حين، ولو سألنا الشعراء الذين عالجوا النظم في خوالج النفوس شيوخا وشبانا لعلمنا منهم أن خير ما نظموه في شوق أو حزن أو ألم أو خالجة ثائرة أيا كان فحواها إنما كان كله من قبل الحنين والتذكار؛ لأنهم ينظمون بعد فوات الثورة الداهمة واطمئنان اللوعة العارمة، فيسلس لهم المعنى ويصفون الشعور من كدر الدخان والضرام، وهم حين يتضرمون حزنا أو شوقا تستغرقهم العاطفة، فلا يلتفتون إلى النظم ولا يشتغلون بغير ما هم فيه ولا يحلو لهم أن يسجلوا شيئا لم يزل في مجراه، ولم يأن له موعد التسجيل، فإن ساورهم لجاج النظم في تلك الحالة فقلما يوفقون لآية من آياته التي يتم فيها صفاء المعنى وصفاء الأسلوب، ولا ننس بعد ما أسلفناه كله مرانة الزمن الطويل على معالجة الصياغة، ومداورة المعاني، وسياسة الأفكار والعواطف، فإن لها لقدرة تعوض الشاعر العبقري ما تتحيفه الشيخوخة، وتعصف به السنون.
ولا عجب أن يجيد هاردي الغزل، أو يجيده سواه من الشيوخ، سواء أنظرنا إلى الحقيقة الواقعة التي لا ريب فيها أم نظرنا إلى المعهود من أطوار النفوس والقرائح، وقد يحسن أن نذكر بعد هذا أن إجادة هاردي في الغزل لم تكن إجادة مطلقة يطمع فيها كل شيخ ينظم القريض وتثبت له العبقرية، ولكنها كانت إجادة هادية عليها سمة الرجل وفيها طبيعة مزاجه التي لم تفارقه في شباب أو شيخوخة، وقد نبهنا إلى ذلك حين قلنا في مقالنا الأول عنه: إن الغرابة في إبداع الشيخ هاردي أقل وأقرب تفسيرا من إبداع الشيوخ الذين يجيدون شعر الغناء؛ لأن نظرة هاردي أبدا ساخرة، وزفراته أبدا مكبوحة صابرة، وأناشيده تليق بالشيوخ كما تليق بالشبان في نوبات الاستكانة والتسليم، فهو أحق بالإجادة في هذا المجال من سواه، وهو هو توماس هاردي سواء نظم في الحب، أو في الحكمة، وفي تجارب الهرم، أو عواطف الشباب.
ولا نختم هذا المقال قبل أن ننبه إلى ملاحظة أخرى تحتاج هنا إلى تنبيه، وتلك هي أن شعر الغناء عند الإفرنج أعم من شعر الغزل، وما إليه في اصطلاح العرب، فقد تنتظم فيه كل مناجاة غزلا كانت، أو وصفا، أو حكمة تتزيا بزي العاطفة الشخصية، وهكذا كان شعر هاردي الذي عنيناه بشعر الغناء.
الإحساسية في التصوير1
يذكرني مقالك عن «فن التصوير بين القديم والحديث» بذلك المقال الذي أودعت فيه «إحساسيتك» بأول عدد من «البلاغ الأسبوعي» وكنت قد عرضت فيه بالإحساسيين من المصورين تعريضا أخطر من تعريضك الجديد. على أني أبادر إلى القول بأن اللوحات المشوهة التي لحظتها في الدور الأعلى من المعرض الفرنسي، الذي لا يزال قائما إن هي إلا نماذج للفن المصري الذي أبدعت كل الإبداع في تحقيره، والتنفير منه باسم الإحساسية وهو لم يكن ولن يكون من الإحساسية في كثير ولا قليل.
إنما هي بدعة لجأ إليها بعد الحرب الكبرى فئة من المصورين المعاصرين ل «نزوة الإعلان» التي اعتبرتها بحق آفة هذا الجيل، والتي أحسنت بها تعليلك أمرهم وتكييفك إياهم بذلك الذي اصطلحوا على تسميته الفن المصري أو الفن الحديث.
ناپیژندل شوی مخ