134

ساعتونه د کتابونو ترمنځ

ساعات بين الكتب

ژانرونه

وأحسب أن «المعرض الفرنسي» سينفعنا في مقتبل نهضتنا الفنية؛ لأنه يفسح آفاق الفن ويعلو بها إلى حيث لا ينالها الغرور القصير والطموح الكليل، ثم هو يرينا مثالي القديم والحديث فلا يغوينا الحديث بزخرفه، كما قد أوشك أن يغوي بعض الناشئين في غيبة القديم الفاخر المهيب، فهم أحرياء حين يبصرون هذه الفتن الطاغية، ويقلبوا النظر في آثار هؤلاء الجبابرة أن يكفوا من غلواء «الإحساسية» ويقصروها على ما فيه فضيلة وإحسان، والحق أننا ننظر إلى آثار الجيلين الماضيين ثم ننظر إلى آثار الجيل الحاضر فنرى المسافة تتسع جدا بين المفضول المرجوح من الناحيتين، ولا نراها تتقارب كثيرا بين الفاضل الراجح من هذه وتلك، وقد تقدم علمنا بالنور والتشريح، وظهر أثر ذلك في بعض آيات المحدثين، ولكنه، بعد، تقدم لا ينسينا سمو الفن على متناول «سنة الارتقاء» وأن الإنسان الفنان قد بلغ قمته قديما، وما برح الإنسان العالم يتوقل بين القمم والوهاد.

الحب والغزل1

كتب طالب أديب في العدد الماضي من البلاغ الأسبوعي يعقب على كلامي عن توماس هاردي حين أقول: «إنه أجاد في نظم الغزل بعد السبعين، وإن ذلك لم يكن عجيبا منه لأن الشيخوخة ربما أعانت على النظم في هذه المعاني، بعد أن تهدأ ثورة النفس التي تبلبل القرائح وتغشي عليها بدخان الأشجان والشهوات.»

والطالب الأديب يقول: «إن قشور الحب ولبابه سيان، وأدق من هذا أن تلك القشور هي لباب الحب الذي لا لباب غيره، وإن غشاوته لا تسر وراءها إلا ما هو من نوع هذه الغشاوة، أو ما هو دونها، ونرى لذلك أن الشبان أحجى من الشيوخ بالتعبير عن الحب والتغني بآثاره، إذ هم الذين يفهمونه حقيقة الفهم بغرائزهم الطبيعية من غير كد ذهن وعميق تفكير.»

ثم يقول: «وماذا عساه في الحب مما يكبره الشيخ ويعجب به؟ وأي شيء فيه غير قابل للتحليل والوزن بتلك الموازين الدقيقة الميكانيكية! اللذة! إنه لا يجد في الحب لذة، وإذا وجدها فقد تواردت عليه اللذات في أيامه الماضية، الألم؟ لقد سقته الصروف منه كاسات مرة، وقد جرت لها نفسه ومرنت عليها فلم يعد يحفل من الألم بجديد، الغيرة؟ لقد علمته الأيام أنها ضرب من ضروب العبث، وهكذا كلما عرضت الشيخوخة لأي معنى من معاني الحب التي يفتن بها الشباب لم تر فيه شيئا طريفا ولم تعن بالتعبير عنه، وإذا عنيت جاء تعبيرها بسيطا هادئا فيه كثير من قناعة الشيخوخة وعدم اكتراثها.»

والموضوع الذي طرقه الطالب الأديب جدير بأن يعاد إليه لإبداء رأي في الحب والغزل يدخل في باب الأدب، كما يدخل في باب التحليل النفسي الذي هو محك الآراء في الأدب الحديث.

والمسألة بعد ليست مسألة نظريات يرجع فيها إلى تباين الآراء والأذواق، وإنما هي مسألة حقيقة لا ريب فيها ولا اختلاف عليها، إذ كل ما يجب علينا - لكي نقول إن الشيخوخة تجيد الغزل أحيانا ونكون على ثقة وبينة مما نقول - هو أن نعلم أن توماس هاردي نظم شعر الغزل بعد السبعين، وأن ما نظمه بعد تلك السن كان جيدا مقبولا رضي عنه قراء الشعر واستزادوه، وأنه كان هو من أسباب تلك الشهرة الذائعة التي أحرزها في عالم الشعر بين قراء الأدب الرفيع بعد اشتهاره بالرواية وحدها في عنفوان الشباب، فهل نظم توماس هاردي غزلا جيدا بعد السبعين؟ نعم! وإذ كانت نعم هي الجواب الذي لا بد منه فلا حيلة للنظريات ولا لتعريفات الشباب والحب والغزل في نفي هذه الحقيقة المقررة.

فالشيء الذي لا نكران له ولا خفاء به هو أن شيخا جاوز السبعين قد نظم في المعاني الغزلية وأجاد فيها - على أسلوبه - أحسن إجادة، وهذا حسبنا لنقول إن الغزل قد يوجد حيث لا شباب كما أن الشباب قد يوجد حيث لا غزل.

على أننا لو فرضنا أن توماس هاردي لم يخلق في هذه الدنيا، ولم يكن بين أيدينا هذا المثل القريب ولا مثل غيره من الشعراء الشيوخ الذين ساهموا في المعاني الغزلية وبلغوا فيها بعض الإجادة أو كلها، فهل تمنعنا النظريات ومراقبة الظواهر النفسية أن ننتظر المعاني الغزلية بعد انقضاء الشباب؟ أما نحن فنقول لا؛ لأن الحب شيء والغزل شيء غيره، وإن كان الحب هو موضوع الغزل والمعنى الذي يدور عليه.

فالحب عاطفة شائعة بين الناس، بل شائعة بين من ينطق وما لا ينطق، ولسنا نعني الصلة الجسدية التي تنقضي بانقضاء دوافع الفطرة، فإن هذه لا تسمى حبا ولا هي من العلاقات القائمة بين فرد بعينه وفرد آخر بعينه؛ لأنها فوضى مشتركة بين جميع الذكور وجميع الإناث من فصيلة واحدة، ولكنا نعني الصلة «النفسية» التي تجمع الفردين معا بعلاقة لا يغني فيها أي فرد آخر من الفصيلة، وقد ثبت للباحثين في طبائع الأحياء أن بعض الطيور والحيوانات تتزاوج مدى الحياة وينتقل الذكر والأنثى منها آلاف الفراسخ بين أوربا وأفريقيا ثم يعودان من تلك الرحلة إلى حيث كانا سنة بعد سنة، حتى يموت أحدهما أو يعتاقه عائق لا قدرة له عليه، فالحب على هذا لا يستلزم الغزل لا في الإنسان ولا في غيره من الأحياء، وإذا قلنا إن لكل حي غزله الذي ينطلق بما في نفسه فليس يسعنا أن نقول إن كل محب شاعر، وإن كل متغزل نصيبه من الحب مثل نصيبه من الغزل على السواء.

ناپیژندل شوی مخ