ساعتونه د کتابونو ترمنځ
ساعات بين الكتب
ژانرونه
ولسنا نعني أن توماس هاردي كان مبرءا من كل مأخذ في النظم والصياغة، فقد قلنا في ذلك ما يدفع هذا الالتباس، ويدل على رأينا في شاعريته، وأسلوبه، ومنحاه، ولكننا نريد أن نقول: إنه ما كل قيد تحسه في الشعر يكون قيدا في الشاعر، فإن للموضوع قيوده، وللزمان قيوده، والشاعر الطليق القدير هو الذي يريك القيود حين لا تكون حرية ولا انطلاق.
الجزء الثاني
إبلاسكو أبانيز1
كان في بداية هذه السنة أربعة من أعلام الرواية المشهورين في العالم لا تخرج إمامة هذا الفن من بينهم، ولا يكون إمام القاصين في الدنيا إلا واحدا منه، وهم مرجكفسكي الروسي وهاردي الإنجليزي، وبورجيه الفرنسي وأبانيز الإسباني.
فأما مرجكفسكي فمزيته أنه يمزج الفن والعبادة والتاريخ مزجا ينبض بدم الحياة، ويتخايل في ثوب الجمال، فلا تخلو رواية له من صراع بين العبادات، أو من وثنية الفنان الذي يقدس الصور والأجسام، أو من تصوير لعوامل التواريخ كأنها أدوار يمليها مؤلف عظيم على مسرح رحيب، أو كأن الناس فيها تماثيل تخلق للزينة والنظر، وتمشي من هذه الدنيا في متحف زاخر بالنماذج والأنماط.
وأما هاردي فمزيته الشغف ببساطة الريف، والإيمان بالجبرية، وتحكيم القدر في كبائر الحياة وصغائرها، وإظهار الناس كأنهم ألاعيب في أيدي الطبيعة تهشمهم وتعبث بهم لغير حكمة معروفة ولا دلالة مستبينة، وإدماج ذلك كله في قالب من الشعر تلتقي فيه عزلة الآلهة المنزهين عن عواطف الإنسان، وإنسانية الشاعر الذي نزفت دموعه الأحزان.
وأما بورجيه فمزيته البراعة في حبك فصول الرواية والدقة الصادقة في تحليل النفوس، وتوضيح خفايا الشعور حتى لقد يسهب في ذلك إلى حد ينسيه نفس القارئ، وما قد يعتريها من الملل ويتحول بها من أبطال الرواية إلى المؤلف ودروسه ونظراته في الحياة والناس.
وأما أبانيز فمزيته كل ذلك وأكثر من ذلك، فهو في بعض رواياته ك «سونيكا» مثلا يضارع مرجكفسكي في إحياء التاريخ، وإلباسه ثوب الفن، ونفاذه إلى لباب العبادة الوثنية، وتقديس الصور والأجسام، وهو في رواياته «الموتى يحكمون» و«زهرة الربيع» و«الغوغاء» و«العرينة الحمراء» و«الفيضان» و«البوديجا» على الخصوص، بل في رواياته كافة على العموم، يضارع هاردي في وصف معيشة الأقاليم، وهموم الزراع والعمال، ومناظر الخلاء كما يضارعه في تحكيم القدر وسخرية الأيام لولا أنه يشوب ذلك برفق لا تراه في «قدر» هاردي المعتزل الأعمى عن كل ما يحيط به من الأوجاع والآمال، وهو في دقة التمثيل ضريب بورجيه في غير تعمل ولا تعمد، ولا شيء من ذلك الأسلوب التعليمي الذي يذكرك بالمشرحة والكتاب، فأنت لا تحس والرواية بين يديك أنك تقرأ كتابة رجل يعنى بتحليل النفوس وتجزئة أنواع الشعور، ولكنك إذا أردت أن تحس ذلك وجدته على مقربة منك في كل رواية، وفي كل بطل وفي كل موقف، كأنه مقصود في غير كلفة ومحلل في غير تجزئة ولا تمزيق، فلو حاولت أن تستخرج من جميع رواياته بطلا واحدا كان نصيبه من الشرح الصادق المفصل أقل من نصيب الأبطال في روايات بورجيه، لعز عليك أن تجد ذلك البطل، ولعرفت حينئذ أن التحليل النفسي قد يبلغ تمامه حين يأتي عرضا ولا يظهر عليه التعمد والالتفات الدائم.
وربما أسهب أبانيز في الوصف واستطرد إلى العلم والدرس ونسي الحادثة والأبطال، ولكنه يستجيز ذلك لنفسه كما يستجيز المحدث المسموع أن يلتفت بسامعيه إلى موضوع له ارتباط بالقصة وللسامعين شوق إلى استطلاعه فيه؛ لثقتهم بخبرته الواسعة، وإمتاعه في كل حديث واستطراد، وإنك لتعجب لما تراه في روايات هذا الكاتب القدير من دلائل الاطلاع الواسع، والخبرة الوافية بشئون هذا العالم، فمن علم بالبحر وأحيائه واصطلاحات رجاله، إلى علم بالتاريخ الغابر والحاضر، إلى علم بالموسيقى والفلسفة والفنون، إلى علم بالحرب والتعبئة، إلى علم بسير العظماء والأدباء، إلى علم لا يباريه فيه أحد بحياة الأندلس في جميع عصورها، وفي جميع الأصقاع التي نزح إليها أهلها؛ وهذا كله إلى تنويع سهل غير متكلف في تصوير الرجال والنساء من جميع الطبقات والأمزجة والأخلاق، ويغلب أن يجعل ديدنه في تصوير النساء خاصة أن يكفر عنهن أو يستجلب لهن العطف بما يقاسينه من الحب والعذاب، إلا إذا كانت المرأة من طبقة الأشراف الماجنة التي يزدريها في بلاده، ويستفز أبناء وطنه إلى احتقارها والثورة عليها، فهو لا يبالي أن يحرمهن شرف الحب ويجعلهن فرائس الشهوات؛ لأنه يرى كما يقول في رواية «الموتى يحكمون»: أن الحب عبقرية كعبقرية الفن والشعر، لا تسمو إليها كل طبيعة ولا يستمتع بجمالها كل من يتحدث بها «فكل إنسان يحسب أن له حقا في أن يحب، والحب في الحقيقة كالمواهب والجمال والحظ نعمة نادرة لا يستمتع بها غير نخبة قليلة ممتازة من الناس، إلا أن الوهم - لحسن حظ المحرومين - يتسلل هنا لمداراة هذا التفاوت الظالم، فلا يختم إنسان حياته إلا وهو يحلم بشبابه ويحن له الحنين والأسى، ويزعم لنفسه أنه قد عرف الحب حق عرفانه وما كان الذي عرفه إلا بحرانا من سورة الشباب»، وهو يعطي المرأة حقها من الدنيا، ويعرفها لها قدرتها في تصريف شئون الحياة وأعمال الرجال، كما يتبين ذلك جليا في روايته «أعداء النساء».
وفي قصته الصغيرة «أبناء حواء الأربعة» يقول الراوي: إن حواء لما زارها الإله بعد طردها من الجنة كانت في شغل بتجميل نفسها لاستقباله وإرضائه، واسترجاع النعيم الذي فارقته في السماء، فما هو إلا أن همت بتنظيف أبنائها حتى أقبلت طلائع الموكب الإلهي وهي لم تكد تفرغ من تنظيف الرابع من أولئك الأبناء الكثيرين، فشاء الله أن يهب لأحدهم الملك، ووهب للثاني الفصاحة، ووهب للثالث القضاء، ووهب للرابع المال، وقضى على البقية حين أخرجتهم له عند منصرفه باكين قذرين أن يظلوا في خدمة إخوتهم الأربعة أبد الآبدين، فكان هؤلاء هم طوائف العمال والأجراء الذين قضى عليهم الإهمال بالشقاء الدائم في خدمة الآخرين، وهنا يعترض على الراوي معترض من السامعين فيقول له: ولكنك نسيت أن لحواء بنات كما كان لها بنون، فماذا قسم الله لهن من حظوظ الحياة؟ فيجيبه الراوي: يا بني! إنك لصغير لم تنضجك الأيام كما ينبئني عنك سؤالك. إن الله قد قسم لبنات حواء كل ما يعمل له الملوك، والفصحاء، والقضاء، والأغنياء، والعمال، فهؤلاء لا يتعبون ولا يجمعون لأنفسهم، وإنما يتعبون ويجمعون لينتهي التعب والجمع كله إلى بنت من بنات حواء! وفي هذه القصة الصغيرة يتلخص رأي أبانيز في العلاقات الطبيعية بين الإناث والذكور من ذوي المتربة وذوي اليسار.
ناپیژندل شوی مخ