102

ساعتونه د کتابونو ترمنځ

ساعات بين الكتب

ژانرونه

وقال لي وقد دخلت عليه يوما على أثر أيام توالت فيها خطبه وجهوده: أسمعنا مما عندك؟ قلت: إنما جئت أسمع من الرئيس.

قال: ولكن الرئيس يريد أن يكون اليوم سامعا! ثم ضحك وقال: لا المغني يحق له أن يطلب الطرب، ولا الخطيب يحق له أن يطلب الكلام، أليس كذلك؟ وأخذ يتحدث عن الكاتب والخطيب ومزاج كل منهما فقال: إن الكاتب تناسبه العزلة، ويخاطب قراءه من وراء حجاب، فلا يراهم ولا يرونه، أما الخطيب فالاجتماع ميدانه ولرؤيته السامعين أثر في نفسه يستجيشه ويهيب بملكته.

ثم قال: إن الكتابة أصبحت تتعبني أكثر من الكلام. قلت: يا باشا إن بياناتك خطب مكتوبة، قال: نعم. إذا أمليتها كانت كالخطب، وإذا كتبتها استحضرت موقف الخطابة.

على أن الأمر الجدير بالملاحظة في خطب الرئيس وبياناته، أنك تقرأ خطبه فتجد فيها دقة علمية لا تجدها في أقوال الخطباء، وتقرأ بياناته فتجد فيها رنة بيانية لا يعنى بها في خطبه، وتعليل ذلك عندي أن محضره المهيب الجذاب يغنيه في موقف الخطابة عن الرنة الحماسية، فيحرص على التدقيق وأنه يحب أن يودع بياناته روح الخطابة على البعد، فيكون الخطيب فيه أيقظ من الكاتب والمتحدث، فهو يعنى بالدقة حين يخطب ويعنى بالنغمة حين يكتب، أو هو خطيب في كتابته، وكاتب في خطبه، يعطي كليهما في وقته ما هو أحوج إليه من تمحيص أو تنغيم. •••

ولم يكن رحمه الله يتكلم كثيرا عن الشعر والشعراء. همس لي مرة كأنه يمزح: «كلام في سرك. أنا ليس لي الشعر» وقال مرة أخرى: «إنما أحب الشعر السهل الواضح المبين، أما الشعر الذي يحوجني إلى التنجيم فلا أستطيبه» وكان يرى أن شعر الحكمة أفضل الشعر وأعلاه، ويقرأ المتنبي ويحفظ له أبياتا كثيرة، ويستشهد بها في بعض الأحاديث، ولما لقيته آخر مرة عرض بعض ما يخشاه وكأنه لم يكن راضيا عن أناس يعملون باسمه ما لا يروقه فقال: «لو بغير الماء حلقي شرق» وكررها مرتين.

ولما كتبت الفصلين اللذين نشرا في المراجعات عن المنفلوطي، وفرقت بين الكاتب والمنشئ، ورفعت منزلة الكتاب على منزلة المنشئين، ناقشني دولته في هذا التفريق وهذه التسمية، فقال: إن الإنشاء فيما يبدو له هو أغلى من الكتابة؛ لأنه خلق وإبداع ولا يشترط في الكتابة أن تكون كذلك، فالمنشئ كاتب وزيادة، والكاتب قد يأتي بشيء من عنده وقد يأتي ببضاعة غيره، قلت: إنما عنيت يا دولة الرئيس الاصطلاح، ولم أعن الأصل في وضع اللغة، والإنشاء عندنا هو تمرين التلاميذ على صف الكلام، وتنميق الألفاظ، فهو بهذا المعنى دون الكتابة في مراتب الأدب، والذي ينشئ يحفل بلفظه وتنضيده، أما الذي يكتب فلديه معناه يفرغه في القالب الذي يؤديه، فأجاب دولته: ما أحوج الاصطلاح إذن إلى تغيير أو تفسير. •••

هذه وغيرها مما لا يحضرني الآن ملاحظات مسموعة من سعد، لو أضيفت إلى ما كتب أو ما تكلم به في هذا المعنى لاجتمع منها مذهب في الأدب، يضاف إلى مذهبه في السياسة ومشاركاته في الثقافة العامة، وهي مشاركات لا يكمل درس هذه الشخصية النادرة بغير الإحاطة بها من جميع النواحي.

النثر والشعر1

كتب الأستاذان هيكل وطه حسين في النثر والشعر العربيين، فاتفقا على أن الكتابة النثرية في هذا العصر متقدمة، آخذة بأسباب النضج والتوسع ، وأن الشعر متخلف مقصر عن مجاراة العصر، وتلبية دواعي العلم والحضارة الحديثة، وعلل الأستاذ طه هذا التخلف بكسل الأكثرين من الشعراء، وقلة إقبالهم على القراءة الصالحة، وحرصهم الشديد على مرضاة الجمهور، وأراد الأستاذ هيكل أن يجيء بأسباب أخرى لهذه العلة المتفق عليها فأتى بكلام لا نخلص منه إلى نتيجة محدودة، أو رأي ممهد للنقد والمناقشة، وقد كتب بعض الأدباء في هذا المبحث فاتفقوا أو كادوا يتفقون على سبق النثر وجمود الشعر، إلا قليلا مما استثنوه من هذه القضية العامة، وتفاوتوا في إنصاف الشعراء الذين شذوا عن ربقة الجمود، تفاوتا يرجعون فيه إلى اختلاف في الميول، واختلاف في الاطلاع، واختلاف في الفهم والأخلاق.

والحقيقة التي لا نقبل النزاع بين العارفين المنصفين، أن الكتابة النثرية في هذا العصر تخطو خطاها الواسعة إلى مدى لم يسبق للعربية به عهد على إطلاق العهود من قديم وحديث ، وستبلغ هذا المدى فتمشي جنبا إلى جنب مع الآداب المنثورة في الأمم الغربية المتقدمة وتشترك بنصيبها في الثقافة الإنسانية التي يحمل أمانتها المتمدنون، وهي قد بلغت إلى اليوم في بعض الأبواب منزلة تضارع ما عند الغربيين من أمثالها، وتدخل في مضمارها برأس مرفوع وأمل وثيق، ولم تتوان في الأبواب الأخرى عن شأو الغربيين إلا في انتظار العوامل الاجتماعية التي أنشأت بيننا وبينهم فروقا تتناول الآداب والمعيشة والعرف، وسائر ما يختلف به الغرب من الشرق ولا يقتصر على الكتابة والكتاب.

ناپیژندل شوی مخ