251

د نوې رنسانس پیلوونکي

رواد النهضة الحديثة

ژانرونه

الانتقاد لغة: النظر في الدراهم وغيرها؛ لمعرفة صحيحها من فاسدها، وصحيحها من زائفها. ومنه انتقاد الكلام لتمييز فاسده من صحيحه وغثه من سمينه. على أن الانتقاد طريق من أوسع طرق الارتقاء، وإن أربابه قادة الناس إلى المراتب العليا من مراتب الكمال والجمال، فلا عجب أن يعرف العقلاء قدرهم، ويحيوا ذكرهم ويصدعوا بأمرهم. وحيث كان الانتقاد ميتا كان الفن ساكنا لا حراك له نحو التقدم، ولا حياة لأهله.

وبعدما جعل الإمام الانتقاد أصح دليل على رقي الناس قال: «إن النقد ازدهى عند العرب في عصر نهضتهم، ثم توارى حين تأخروا. وكذلك الفرنجة فإنه لم يكن عندهم انتقاد يوم كانوا في تأخر، ولما تقدموا أنشئوا للنقد الجرائد والمجلات ... حتى أنك لا تكاد تجد مؤلفا يؤلف عند الإفرنج إلا استهدف لسهام الانتقاد والمنتقدين من كل صوب وناحية، بل قد صارت عادتهم أن لا يعرض مؤلف للبيع حتى يعرض على الجرائد لانتقاده فيسمع الناس به ويعرفوا قيمته. والمؤلفون منهم أرغب الناس في توطيد دعائم الانتقاد وتقوية ساعد المنتقدين؛ لعلمهم أن جلب الفائدة منه عائد عليهم، فلذلك تراهم يرضخون لحكم المنتقد أخطأ في اعتقادهم أو أصاب، ويعتبرون نقدهم فضلا عليهم وجميلا معهم. وإذا اقتضت الضرورة أن يردوا عليه صدروا الرد بالاعتذار عن ذلك ... كل ذلك حرصا على الانتقاد أن تخبو ناره.

وأبلغ الكتاب قلما، وأقومهم رأيا، وأجزلهم لفظا، وأرقهم نثرا ونظما، هم أشد الناس عرضة للانتقاد. وقد يميل المنتقدون عليهم كل الميل، ويتحاملون عليهم شديد التحامل، فينتقي الكتاب من انتقاد النقاد ما أصابوا فيه، ويغضون عما أخطئوا، وكثيرا ما ينقلون انتقادهم عليهم إلى كتبهم، إما إقرارا بصحته، أو إظهارا لخطئه، أو لغير ذلك من الأغراض.

والانتقاد بين علماء الإفرنج دليل على رعاية مقام المنتقد عليه والاحتفاء بشأنه. والتدقيق في الانتقاد دليل الاهتمام بما ينتقد. والواسعون في الفهم يعتبرون تشديد المنتقد عليهم مزية لهم، ويفضلون إظهاره لمعايبهم على مجرد مدحه لهم وإطرائه.

وإذا رأوا من المنتقد تساهلا وتسامحا ساءهم ذلك، وحملوه محمل الاستصغار لقيمة تآليفهم، وقوة عقلهم ...»

ثم قال في الناقد:

يلزم أن يكون الناقد بصيرا خبيرا يتحرى الصدق في القول، والإخلاص في النية، منصفا، عادلا، باحثا، منقبا، قاصرا النظر على ما قيل، مغضيا عمن قال. ولا حق للمنتقد عليه أن يحقد على الناقد إذا أبان معايب تأليفه، ولم يسترضه بمدح ذاته وصفاته، أو إذا لم يغض عن نقيصة أتاها سهوا أو عمدا.

هذا وصف وجيز لحال النقد والناقدين عند الأوروبيين. وأما نحن المشارقة فقد خبت عندنا نار النقد، منذ غابت عنا شمس معارف العرب وعلومهم.

وختم الإمام مقاله هذا متمنيا ألا يكون الانتقاد مخاصمة ومشاتمة، ومهاترة ومشاجرة، وتمنى على أصحاب الجرائد إشهار الانتقاد في البلاد.

هذا ما رأينا نقله لك لتعرف أن هذا الرائد المصلح يجول في كل بحث ومطلب، ويناضل على كل جبهة، ثم لنعرفك على هذا الأسلوب الرصين الذي لا غبار صنعة عليه. (3) شبلي الشميل

ناپیژندل شوی مخ