علم أخا جهل فلم يظلم
وخير ما تقرأ للحوراني من شعر هو قصيدته التي قالها في رثاء صديقه إبراهيم اليازجي، ولعل الحوراني القوال أشعر منه الحوراني الشاعر الفصيح.
أما الشيخ أحمد عباس الأزهري، فكانت تجلله أبهة الشيوخ المحترمين، ومهابة رجال السمت، فتخال، متى وقعت عينك عليه، أنك أمام رجل من السلف الصالح. نذكره هنا وإن لم نذكر سواه من مؤسسي المدارس الوطنية؛ لأنه كان منشئ مدرسة ومعلما فيها في وقت معا.
وقف بقية عمره على تأدية رسالته فأداها على حقها. كان رجلا فعالا أكثر منه قوالا. لم يترك آثارا أدبية، ولا قصائد كغيره من شيوخ العلم، ولكنه كون وأنشأ رجالا كانوا من أركان النهضتين الأدبية والقومية.
كان الشيخ متمكنا من لغة الضاد عارفا أسرار بلاغتها فأخرج إلى العالم العربي كتابا وشعراء يؤدون أفكارهم بأصح تعبير وأفصح عبارة، ناهيك بما بث فيهم من روح وثابة، وعزة قومية فطارت شهرة كليته العثمانية التي أنشأها وتعهدها بنفسه طول الحياة فأخذ عنها النشء العربي أسمى المبادئ وأنبلها.
كتاب النضال
(1) أديب إسحاق
شامي المولد والمربى، لبناني المنشأ، مصري الهوى، عربي النزعة، كاتب نضال. تعلم العربية والفرنسية في مدرسة الآباء اللعازاريين، واضطر إلى الكدح والسعي لأجل المعاش فبكر في مغادرة المدرسة؛ ليشتغل وظيفة في إدارة الجمرك براتب مائتي غرش، فدرس التركية في أوقات فراغه. قال الشعر صبيا فنظم وكتب، ثم انضم إلى والده في خدمة بريد بيروت، فأطل على دنيا أدبية جديدة استهوته؛ فهام بها وعاف لأجلها الوظيفة، وبرز في ساحة تلك البيئة عارضا قلمه، وهكذا أدركته حرفة الأدب.
تفتقت براعم موهبته الأدبية قبل الأوان، فبشر بها معلمه أباه والغلام لما يبلغ العاشرة، ثم تحققت تلك النبوءة في بيروت، فعهد إلى الفتى وهو في السابعة عشرة بتحرير جريدة «التقدم» فلاح في سماء الأدب كوكب جديد.
كان مع عمله الصحفي يؤلف ويترجم عن الفرنسية، وانتمى إلى جمعية «زهرة الآداب» ثم صار رئيسها فعرف الناس الأديب الخطيب، بعدما عرفوا الأديب الشاعر الناثر فشنها غارة شعواء على العبوديتين: «الطائفية والمدنية». وكان بوقا صارخا في بيداء الخمول يدعو النائمين إلى الهبوب والمطالبة بالحرية والاستقلال. وفي التاسعة عشرة شارك في تأليف «آثار الأدهار»، وعرب أندروماك لراسين، ثم آزر صديقه سليم النقاش في تأليف المسرحيات وتمثيلها وسافر إلى الإسكندرية ملتحقا به، فكانت جوقتهما أول جوقة تمثيلية عربية تخطت الحدود، وتجاوزت تخوم بيروت مهد المسرح العربي. فعرب أديب رواية شارلمان، ونقح أندروماك، وألف رواية «غرائب الاتفاق»، وكان في هذا كله مؤلفا ومخرجا وممثلا.
ناپیژندل شوی مخ