ما أسعد حال المجتمع الإنساني إذا تبودلت فيه المعاونة وعواطف الإخاء والمحبة، فإن ذلك العزاء والسرور، بل والسعادة الحقيقية التي ننشدها من غير سبيلها القويم. •••
ولما كانت العناية بالناشئة واجبة، فعلى القائمين بالتربية أن يلاحظوا أن التروض والسرور من أكبر الوسائل التي تساعد على التكمل والتأدب.
ورب معترض يقول: إن الشبان لا يعرفون الاعتدال أو الاكتفاء بوسائل السرور التي يسمح بها لمن في سن الشباب، وإنهم ليطفرون إلى ما لا يستحب ولا يمدح. فيدفع الاعتراض بأن ذلك يكون بحسب قدرة المربي، فإن عرف كيف يسوس من هم في حرزه وصيانته، بما يختلقه من أسباب السرور وبواعثه - بغير أن يقيدهم بحد محدود - أمكنه أن يشفي النفس من تطلعها إلى غير الجائز، وإن لم يفعل عن تقصير أو إهمال أو عن عجز، فعليه وحده التبعة واللوم.
إن من يتصور أن الناشئة تميل إلى الملاهي الموضوعة، وبواعث السرور المختلق لهو على خطأ؛ لأن النفوس لم تفسد بعد، ولا زالت تميل إلى المروحات الطبيعية البسيطة، وتشعر بتأثيرها على النفس الساذجة فتتنشط وتنتعش، بينما هي تسأم تلك المشوقات المملة المتعبة. إلا أن الإفراط قد أفسد كل شيء على وجه الأرض، حتى إن اليد لتكاد لا تمس شيئا صالحا، والعين لا تقع إلا على الموبوء الدرن، فعلى قدر هذا الفساد تجب العناية والحذر عند انتقاء أساليب التروح وأماكن التلهي والسرور.
ومن المحقق أن حرمان الناشئين عن عاطفة السرور يؤلم قلوبهم ويقبض صدورهم، ولكن ترك الحبل على الغارب يؤذي أيضا، ويقضي على الأخلاق والأدب. فالموقف حرج والضرورة ماسة للتفكر في الحال والمآل، ولو وقفنا بهم عند هذا الموقف من الارتباك لحملناهم من الصغر أتعاب الحياة وهمومها، وجعلناهم في شك ووسواس، وأريناهم العالم من وجهه المغبر.
فليعتن الحكماء بوسائل السرور؛ ليفتحوا للسعادة بابا تأتي منه، فتنزع الهموم واليأس وتبدل الحال من حسن لخير منه. وليعمل العقلاء لإزالة الفارق الموجود بين المعلمين والمتعلمين وللقضاء على الغطرسة التي تنفر الناشئة من المربين؛ ليكونوا أخوة في أوقات الفراغ ترشف نفوسهم كأسا واحدة، هي كأس السرور الشامل؛ فإن ذلك مما يطرد النفرة وسوء الظن ويقوي الرابطة ويساعد على الدرس والتعليم. وإن للمعلم المحبوب منزلة في قلوب تلاميذه تفتح لمعلوماته صدورهم وأفهامهم، وليس ألذ للمتعلم من فهم نصائح وتعاليم مربيه المحبوب والعمل بها. •••
ليس للسرور ثمن ولا هو مما يباع ويشترى وإنما هو ثمرة يجتنيها من يعرف مكانها. فمن شاء ألا يعرف الهم والأحزان، وأن يروح عن نفسه ويملأ قلبه سرورا وابتهاجا، فعليه بالعمل والاعتدال في العيش والمعاملة، ونبذ ما ينفر منه الغير. وليكن حسن اللقيا واللفظ أنيسا معتدلا، حسن الظن بالناس لا حسودا ولا حقودا، محبا لرفاقه غير مهذار ولا نمام.
المال والاعتدال
المال من وسائل التعامل، ولكن الضرورة إليه لا تجيز أن يحله الإنسان في غير موضعه من مراتب الاعتبار، أو ينظر إليه بأرقى من العين التي تمثله واسطة لتبادل المنافع.
والمشاكل والمشاغب التي تنجم عنه خطيرة ، وسبب لأكثر الاضطرابات في العلائق الاجتماعية، إلا أنه مع هذا لا يمكن الاستغناء عنه، وعناية الخلائق بأمره من أقوى العوامل التي بعثت النفوس والأفكار على حب الاقتصاد، والبحث عن سبله المؤدية إلى الغاية، فرفعت من قيمته الوهمية وخلقت له في الحياة قدرا وسلطانا.
ناپیژندل شوی مخ