فهدف النبيّ ﷺ كان النصرة والأمان له ولأتباعه ﷺ وعلاقة هذا الهدف الجزئي بالدعوة المباركة هي أن الدعوة لن تنتشر إلاّ بأرض تمكين ومنعة من الأضطهاد والتعذيب، لذا فالسؤال واضح: ما المنعة فيكم؟ وكم عدد فرسانكم؟ كيف أنتم في القتال؟ الهدف واضح، ولم يسأله أحد من النّاس ما حاجتك الى الحرب؟ لأن العلاقة واضحة بين الهدف من طلب المنعة والنصرة والأيواء والقتال وبين تبليغ دعوة الله، لأن الملوك والمتكبرين يكرهون مثل هذه الدعوة كما قال المثنى بن الحارث الشيباني في جوابه. وتأمل في ردّ النبيّ ﷺ النصرة المجتزءة، والمنعة الناقصة لما قال المثنى (ننصرك مما يلي مياه العرب) فقط، فقال:"إن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه الله بجميع جوانبه".وتأمل الربط بين إيواء النبيّ ﷺ ونصرته وبين القضية الأساس (تبليغ دين الله).
المطلب الثاني: مراجعة الجدول الزمني وتدقيقه:
صاحب الأهداف الدقيقة الواضحة يحدد لأهدافه خطة مرسومة يسير عليها، بجدول زمني معلوم، والمؤسسات التي تريد النجاح حري بها أن تضع لها جدولًا زمنيًا مرسومًا وواضحًا، ولو تأملنا قليلًا في قول النبيّ ﷺ للمثنى بن حارثة يخبره عن حال كسرى والفرس:" أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم، ويفرشكم نساءهم، أتسبحون الله وتقدسونه؟ " (١)، فالنبيّ ﷺ كان يسير على جدول محدد (إذا صح التعبير) فيبدأ بالمدينة ثم مكة ثم الشام ثم فتح العراق، ثم فتح القسطنطينية، ثم قتال اليهود في أرض فلسطين.
والمؤسسات الناجحة هي التي تقوم على العمل المؤسسي لا على ارتباطها بشخص المؤسس أيًّا كان؛ لأن هذا الشخص قد يموت فتموت المشاريع معه، أما إذا كان الارتباط على أساس المشروع فسيأتي أحد بعده يكمل ما وصل إليه المؤسس، لذا فالقرآن أسس لهذه القضية المهمة، فقال: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾ آل عمران١٤٤.
فربط الأمة بحياة الرسالة لا بحياة الرسول ﷺ، وهذا منهج النبيّ ﷺ في كل حياته، كان يربط النّاس بالله تعالى ويحملهم المسؤولية في حياته لكي يستمر ابداعهم وفق الجدول المرسوم لهم بعد وفاته ﷺ، وكان له ما أراد ﷺ.فليس بالضرورة أن يكون صاحب المشروع هو من ينفذ تلك الخطوة في هذا المشروع، فالنبيّ ﷺ أسس وربى جيلًا أكمل ما بدأ به النبيّ ﷺ (عالمية الدعوة)، وعمل بمنهج النبيّ ﷺ، إذ كان على فراش الموت وهو ينادي:"أنفذوا جيش أسامة" (٢)،و"أخرجوا اليهود من جزيرة العرب" (٣).
(١) سبق تخريجه ص٢٥. (٢) أخرجه عبد الرزاق (١٩٣٧٢). (٣) أخرجه البخاري (٢٨٨٨)،ومسلم ٣/ ١٢٧٥ (١٦٥٧)،وغيرهما.
1 / 28