لم يكد كولار يتيقن أن الذي أحبط مساعيه هو أرمان، ولم يكد يراه حتى ترك رفيقيه، وهرول مسرعا إلى الشارع فركب مركبة، وأمر السائق أن يسوق الجياد خببا إلى سانت لازار نمرة 75، أي إلى بيت أندريا، فسارت به الجياد تنهب الأرض حتى بلغت المنزل بنصف ساعة، فوقفت ونزل كولار ورأى أندريا في مركبته مستعدا للسير، فأوقفه للحال وقال له: يجب أن ترجع إلى المنزل.
فقال له أندريا: ماذا حدث؟ وما الذي يضطرني إلى الرجوع؟ - سأخبرك متى اختلينا.
ورأى أندريا من ملامح كولار ما يدل على الاهتمام.
فامتثل ودخلا إلى المنزل، ولما خلا بهما المكان قال أندريا: أخبرني الآن ما الذي طرأ؟ - حدث ما ذهب بأمانينا أدراج الرياح. - عن أي أمنية تعني؟ - عن الإرث فإن أرمان يقتفي أثرنا.
فاصفر وجه أندريا من الغضب، وضرب على المنضدة بيده وهو يقول: إذن فهو يريد أن يموت.
ثم هدأت سورة غضبه، فحدثه كولار بجميع ما كان في بلفيل، ثم قال له بعدما انتهى من سرد تلك الحادثة: إنك تعلم أن ليون وخطيبته يعرفان فرناند، وهما الآن يعرفان أرمان، وأقل كلمة تحدث منهما بشأن تريزا ولو على سبيل الاتفاق، تمكنه من الوقوف على صاحب الإرث وتحبط جميع مساعينا، ألا تعلم أن فرناند أخبر ليون عما دار بين تريزا وزوجها من الحديث يوم كلمته بشأن زواج ابنتها هرمين بفرناند، وكيف أن هرمين علمت أنها لم تكن ابنة بيرابو، أيبعد أن يخبر ليون أرمان عن ذلك كما أخبرني، وأن يعلم أن هرمين ابنة كرماروت كما علمنا نحن؟
فأجابه أندريا ببرود: وأنا من رأيك. - أهكذا تجيبني، وأنا أكاد أجن خوفا من الفشل؟
فأجابه وهو يبتسم تبسم احتقار: كنت أظنك أشد ذكاء مما أراك. - ولماذا؟ - لأنك فقدت حواسك عند أول حادثة، فما يكون من أمرك لو أصبت بأمر جلل؟ فاعلم الآن أن مثل أرمان الوصي على هذا الإرث مثل الراعي، ومثل الإرث مثل القطيع، ومثلنا مثل الذئاب، فنحن نحاول افتراس هذا القطيع، وهو يحاول الدفاع عنه، فالقتال بيننا متوقع في كل حين. وقد قلت لي إن أرمان له معرفة بليون؟ - نعم. - ولكن أرمان لم يتعرف بعد بفرناند؟ - هذا ممكن. - إذن يجب أن نمنع واسطة التعارف بينهما. - كيف ذلك؟ - ذلك أمر هين، ولا ينقضي هذا اليوم حتى أجد طريقة موافقة. - ولكن إذا أجهزنا على ليون، فإن سريز تخبر أرمان. - سنجد طريقة لسريز أيضا. - سريز؟ أيخطر على بالك قتل سريز أيضا؟ - كلا، ولكننا سنرجو المسيو بيرابو أن يحتفظ بها. - وبعد ذلك؟ - وبعد ذلك إذا بقيت على حب الفتاة فسنرى. - ولكن فرناند ... فإن أكثر أصحاب ليون يعلمون علاقته معه، وله مقام جليل عندهم لاستخدامه في الوزارة، فإذا فقد ألا يسأل أصحاب فرناند عنه؟ - ربما، ولكن طب نفسا، فسينال فرناند حظه من الشرك مساء غد، والآن أجبني هل استأجرت لي منزلا في الشانزليزه؟ - نعم، وهو منزل وفق مرادك. - حسنا، فسأراه صباحا لأني مضطر في هذه الليلة أن أذهب إلى حفلة راقصة في الوزارة الخارجية، حيث أتعرف بوالد هرمين. - إذن ستراه في هذه الليلة؟ - نعم، سأراه مع امرأته وابنته، والآن فإني ذاهب لأرى باكارا، فارجع إلى هنا في الليل، وانتظرني إلى أن أعود مهما تأخرت.
ثم افترقا، فذهب كولار بشأنه وأندريا إلى باكارا، فلما وصل إلى منزلهما ورأته فاني أسرعت إلى سيدتها وقالت: سيدتي هو ذا الإنكليزي قد عاد، أتسمحين له بالحضور مرتين في يوم واحد؟ فقالت لها باكارا بقسوة وجفاء: ليس هذا من شئونك، فاذهبي وأدخلي إلي السير فيليام في الحال. وبعد هنيهة دخل أندريا فجلس بالقرب منها، وقال لنتحدث الآن. - بماذا؟ - أصغي إلي، إنك كنت صباحا شاحبة اللون مضطربة، والآن فإنك على عكس ما كنت عليه، والسبب في ذلك أنك كنت في الصباح تحبين فرناند حب يأس، وأنت قانطة من قربه، والآن فإنك تحبينه حب رجاء، وتأملين أنه يحبك ويكون بقربك بعد حين. - ربما. - والآن تنتظرين غدا زيارة بيرابو. - ذلك لا ريب فيه، فهل امتنع عن الحضور؟ - كلا، ولكني أتيتك بخير علاج ينزع به من قلب هرمين حب فرناند.
فبرقت أسرة عينيها من السرور، وقالت: أصحيح ما تقول؟ - نعم، وسيكون فرناند بعد يومين منطرحا على قدميك.
ناپیژندل شوی مخ