323

روکامبول

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

ژانرونه

ثم هزته أريحية الحب ونشوة المدام، وقام إلى منضدة يريد أن يكتب حوالة على صرافه بالقيمة، فمنعته الفيروزة وقالت: ليس هذا الذي أريد، بل إني أسلك التوقيع على خمس حوالات يبلغ مجموعها هذه القيمة.

ولم يخطر الشر لفرناند في بال، وقال: هات الحوالات.

ودخلت الفيروزة إلى الغرفة المجاورة حيث كان مختفيا أندريا، وقالت له: لقد وقع الطير في الشرك فهات الأرواق. فأخرج أندريا من محفظته الحوالات التي تقدم ذكرها، وأعطاها إياها، فذهبت بها إلى فرناند حيث وقع عليها جميعها كما تريد وهو لا يعي من شدة سكره ما يفعله، فحملتها وذهبت بها إلى أندريا فأخذها والفرح ملء فؤاده وأعادها إلى المحفظة، وهو يقول: عودي إلى فرناند وتأهبي، فإن رجل الخنجر سيأتي قريبا.

وكانت الفيروزة قد ذكرت موقفها الهائل وتمثلت لها تلك المعركة العظيمة التي ستجري بين العاشقين فقالت: رباه! ماذا أفعل وما يكون من أمرى في هذه المعركة؟

فقال لها أندريا: إنك تختبئين بعد أن تطفئي المصباح. - ولكنه يقتلني بعد ذلك. - لا تخشي، فإننا سنجيء لإنقاذك. - وما يكون من نتائج هذا القتل؟ - إن البوليس يقبض عليك، ويسألك عما جرى في المنزل، فتقولين إن لي عاشقين دفعت بأحدهما الغيرة إلى قتل مزاحمه، فيطلقون سراحك وتعودين آمنة إلى ما كنت عليه، فخرجت الفيروزة مطرقة الرأس، وهي خائفة أشد الخوف وعادت إلى فرناند. أما أندريا فإنه ما لبث بعد أن خرجت الفيروزة وساد السكون في تلك الغرفة المختبئ بها، حتى سمع تنفس إنسان من ورائه، فالتفت منذعرا فرأى على نور النار الضعيفة في المستوقد خيال إنسان ورأى في إحدى يدي ذلك الخيال سلاحا يلمع، فوجف فؤاده، وقال في نفسه: ألعله قدم أحد لنصرة فرناند؟

41

ولنعد الآن إلى روكامبول، فلقد تركناه في الفندق بعد رجوع الفيروزة ينتظر أن يصحو ليون من رقاده، أما المنكود فإنه كان على ما وصفناه صاحيا في زي نائم من تأثير المخدر الذي شربه، وقد لقي أهوالا شديدة في رقاده، فإنه كان يسمع ما دار بين الفيروزة وعشيقها وينتظر الموت في كل لحظة، فلما ذهب بها ما لبث أن اطمئن على نفسه لسلامته من الموت حتى عادت إلى فؤاده لواعج الغيرة تعضه بأنيابها المسنونة، وهو لا يستطيع أن يبدي حراكا، ثم شعر من نفسه أن نومه قد طال، وفيما هو كذلك إذ فتح صاحب الفندق غرفته وقال: إنه لا يزال نائما، ألعله سينام نوما إلى الأبد؟ فسمعه ليون وخشي إذا طال نومه أن يدفنوه حيا، ثم جعل يذكر جميع الحوادث التي كان يقرؤها في الجرائد عن دفن الأحياء لحسبانهم في عداد الأموات، فينخلع قلبه من الخوف.

وما زال على هذه المخاوف المقلقة إلى أن أذنت الشمس بالمغيب، ففتح عينيه وجعل ينظر نظرات الرعب إلى ما حوله، ثم جعل يحرك يديه ورجليه كأنه غير مصدق بصحوه وعوده إلى الرشاد، واستوى جالسا في سريره فجعل يستعرض في سره ما مر به من الحوادث، وهو يحسب أنه كان بالكابوس الذي يعرض لبعض النائمين المزعجين في النوم.

ثم إنه أراد أن يتحقق جميع ذلك، فنادى صاحب الفندق حتى إذا صعد إليه كان أول سؤال ألقاه عليه قوله: أين هي؟ - من هي؟ - السيدة التي كانت معي.

فأجابه بصوت المتهكم: إنها يا سيدي أتت معك، ولكنها عادت مع سواك إلى باريس.

ناپیژندل شوی مخ