فحكت لها اليهودية حكايتها، وخلاصتها أن أحد المشتغلين بصناعة التنويم كان يعطي أمها كل يوم عشرة فرنكات كي تأذن له بتنويم ابنتها.
فزاد عجب باكارا وسألتها: أكنت تنامين؟ - لم أكن أريد النوم، ولكنه كان يحدق بي تحديقا شديدا، فأنام مكرهة وحين أصحو من الرقاد الكاذب كانت أمي تقبلني ضاحكة وهي تقول: إنك قابلة للتنويم، وستكفينا شر الفقر.
وكانت باكارا مصغية لحديث الفتاة أتم الإصغاء، ثم غاصت في تأملاتها وذكرت أنها كانت تستخدم هذا النوم في أيامها السابقة لتعلم حقيقة أميال عشاقها، ثم ذكرت أن الذين كانوا ينامون هذا النوم كانوا يخطئون في معرفة خفايا القلوب مرات، ولكنهم كانوا مصيبون في بعض الأحيان، وعند ذلك برقت أسرتها بأشعة الأمل وقالت في نفسها سوف أرى؛ فقد أقف على أسرار أندريا بتنويم هذه الفتاة.
29
ثم عادت إلى الفتاة الإسرائيلية، وبعد سكوت قليل دار بينهما الحديث الآتي، فقالت باكارا: إذن فإن هذا الرجل كان ينومك؟ - نعم يا سيدتي. - أكنت تخافين؟ - خوفا شديدا. - ولو خطر لي أن أنومك، ألا تخافين أيضا؟ - كلا، بل أنام بملء السرور؛ لأني أحبك ولا أخافك. - إذن فاجلسي أمامي.
فامتثلت الفتاة وذهبت باكارا وأوصدت الباب والنوافذ، ثم عادت وجلست أمام الفتاة وحدقت بها تحديقا طويلا، وهي تقول لها: نامي. فكانت الفتاة تنظر إليها وهي لا تستطيع أن تقاوم نظراتها، وما زالت تحدق بها وهي تأمرها بالنوم حتى تثاقلت عيناها، ثم أطبقت جفنيها وسقط رأسها على جانب الكرسي، فشعرت باكارا بسرور عظيم وقالت للفتاة النائمة: أنائمة أنت؟ فأجابتها وهي مغمضة العينين قائلة: نعم.
ودار بينهما ذلك الحديث التالي، فسألتها باكارا: أي نوم تنامين؟ - النوم الذي أمرتني أن أنامه. - انظري إلي، وقولي لي ماذا ترين، وبأي شيء أفتكر؟ - إنك تفتكرين به. - بمن؟ - بذلك الرجل الذي أتى، وكان ينظر إلي. - أترين هذا الرجل؟ - نعم، نعم، إني أراه! - أين هو؟ - لا أعلم، إني لا أراه جيدا. اصبري ... إنه يسير في شارع كبير عريض. ثم مدت يدها مشيرة إلى الغرب. - أترين كنيسة في هذا الشارع؟ - نعم. - أين يذهب هذا الرجل؟ - إنه يمشي مسرعا، إنه يسرع جدا. هي ذي مركبة. - أصعد إلى المركبة؟ - كلا، بل إنه صادفها.
ثم كأن هذه الفتاة النائمة قد انصرفت أفكارها إلى المركبة ومن كان بها، فأخذت تقول: ما أجمل هذه المرأة! - أية امرأة تعنين؟ - إنها امرأة جميلة لم أرها من قبل. - إذن، فلماذا انصرف فكرك إليها؟ - لأنها آتية إلى هنا. - إلى هنا! إلى منزلي؟ - نعم، وهي جميلة جدا ولكنها شديدة الحزن. - ولماذا هي حزينة؟
فوضعت الإسرائيلية يدها على قلبها وقالت: لأنها تشكو. - ألم تعرفيها؟ - كلا، ولكنها قد أتت من قبل إلى منزلك. - أكانت تزورني دائما؟ - كلا، فإنها لم تزرك غير مرة واحدة. - وهي آتية إلى منزلي كما تقولين؟ - نعم، فإني أراها قادمة، وهذه مركبتها الجميلة قد مرت فوق الجسر، إنها تجاوزته، مرت بالشارع الجديد الموصل إلى منزلك، إنها دنت من المنزل وأنه أراها الآن جليا. ما أسرع هذه الجياد! وما أجمل هذه المركبة! ها هي قد قربت من الباب. وقفت أمام باب منزلك.
فدهشت باكارا دهشة عظيمة لأنها سمعت صوت مركبة وقفت على باب منزلها، وبعد هنيهة دخلت الخادمة تحمل بيدها بطاقة المركيزة فان هوب، فقالت لها: اذهبي بها إلى قاعة الاستقبال وقولي لها أني قادمة في الحال.
ناپیژندل شوی مخ