فقاطعها فرناند وقال: كفى، لقد علمت من تعنين. - إذا كنت عرفته فسأقص الغرض من سرد الحكاية. فاعلم أن هذه المرأة ارتكبت جريمة من أجل من تحب، ثم ندمت على ما فعلت فأنقذت من تحبه وسهلت له طرق الاقتران بالفتاة التي كان يحبها، ولما رأته سعيدا بالقرب منها تابت إلى الله عن حياتها السابقة توبة صادقة، وخلعت عنها اسم باكارا فاستبدلته باسم مدام شارمت.
فقال لها فرناند: أرأيت كيف أنك تمزحين، فإنك ما تزالين مدام شارمت. - لقد خدعت أيها الحبيب؛ فإن الحب قد ردني عن حياتي السابقة، وهذا الحب قد أعادني إليها، ولا تعجب لما أقول؛ فإني لما رأيت من قبل خصيمتي فيك كانت فتاة طاهرة رجعت القهقرى، ولبست حلة الفضيلة ولم تكن في الحقيقة غير حلة لليأس، أما وقد باتت تلك الخصيمة من بنات الهوى، وهي لا توازيني في شيء بل هي فتاة ساقطة لا أدب لها ولا شرف ...
فصرخ بها فرناند يقول: كفى، فإنك تهينين التي أحبها.
أما باكارا فإنها لما سمعت إقراره وجف فؤادها، فوضعت يدها على جبهتها ولبثت صامتة وهي أشبه بالأموات، إلا أن فرناند لم يكترث لما حل بها فقال: إذا كان هذا المنزل منزلك كما تقولين، فهل لك أن تخبريني أين ذهبت صاحبته القديمة؟
فقالت باكارا بعظمة: معاذ الله أن أكتم عنك محلها، فإنها تقيم في شارع بلانتين نمرة 17. ثم صرفته بإشارة من يدها، فانحنى مسلما ومضى.
فلما أصبحت وحدها، وجعلت الدموع تسيل من عينيها وهي تقول: رباه، إني أردت إقناعه بالحجة والبرهان، فتغلبت عواطف قلبي على عقلي.
28
بعد ذلك بساعتين وقفت مركبة باكارا أمام منزل أختها سريز، فخرجت منها ودخلت إلى المنزل، فوجدت أختها على أسوأ حال وقد قرح البكاء جفنيها، وبعد حديث طويل علمت منها أن زوجها ليون وقع في شرك إحدى العاملات، وأنها كتبت إليه بالأمس كتابا قاطعته فيه، فتمكن منه القنوط حتى عول على الانتحار، ثم أخبرتها أنه أراد أن يلقي بنفسه من النافذة وهو يحسبها نائمة، فوثبت إليه ولم تتمكن من إرجاعه عن قصده إلا بعد أن ذكرت له ولده الصغير، فحن فؤاده وذهب إلى الطفل النائم وجعل يقبله وهو يبكي بكاء الأطفال، ثم خرج من المنزل بعد أن عاهدها على أن لا يقدم على الانتحار.
فعجبت باكارا وأشفقت على أختها ثم سألتها: كيف علمت بهذا الكتاب الذي ورد إليه؟ - رأيته في جيبه.
فسألتها إحضاره، وكان هذا الكتاب الرسالة التي كتبتها الفيروزة في غرفتها عند مدام فيبار، ولما وقفت عليها باكارا وتأملت بخطه، صاحت صيحة منكرة وقالت: الخط واحد والمرأتان واحدة، فما هذا السر؟
ناپیژندل شوی مخ