فقال المركيز: إنها لا تموت ما زلت أحمل الدواء بيدي. - بل إنها ستموت يا سيدي؛ لأنك سترى أنها لا تريد هذا الدواء. - ولكني أكرهها على شربه. - إنك لا تستطيع إنقاذها إلا إذا أحببتها.
فتنهد المركيز وقال: أيمكن للقلب أن يعلق باثنين، وأنا لا أزال أحب امرأتي كما كنت أحبها يوم الزفاف، ولكني سأنقذ ابنة عمي لأني سأحبها كما يحب الأخ أخته.
وعند ذلك وصلت المركبة إلى منزل الهندية، فدخل الاثنان وجعلا ينتظران قدوم صاحبة المنزل في قاعة الاستقبال، فما طال انتظارهما حتى أقبلت تتهادى وقد استبدلت ملابسها الهندية بملابس باريسية، وتأنقت بالتجمل على جمالها، فباتت فتنة العيون بحيث ذهل المركيز حين رآها وهو يحسب أنه سيرى فتاة همجية من فتيات الهند، أما هي فإنها سلمت على زائريها، ثم قالت لابن عمها باللغة الإنكليزية لجهلها الفرنسوية: إني ألتمس منك خلوة أطلعك فيها على بعض الشئون السرية. ثم اعتذرت من روكامبول وتأبطت ذراع المركيز فدخلت وإياه إلى قاعة أخرى، وبعد أن أوصدت بابها جلست على مقعد شرقي وأجلسته بقربها وقالت: إني أشكرك يا ابن عمي العزيز لإسراعك بتلبية دعوتي، وأرجو أن لا تقاطعني فيما أقول، وأن تصغي إلي أتم الإصغاء فاسمع. إنك حين جئت إلى الهند ونزلت في منزل أبي منذ اثني عشر عاما، كنت عند ذلك في حداثة عمري لا أدرك شيئا من أسرار القلوب وأمور الحياة، وكنت أنت جميل الوجه غض الصبى، وقد طالما سمعت أبي يقول لي «إنك ستتزوجين ابن عمك»، حتى أفضى بي الأمر إلى حبك.
وقد أحببتك وأنا لا أعلم أنك كنت مقيد القلب واللسان، فلما سافرت من عندنا جعلت أتوقع عودتك كل يوم وأعد الساعات والأيام، إلى أن جعلت أعد الأعوام دون أن تعود، ثم علمت السبب في جفائك الطويل، وعلمت أنك تزوجت سواي، ولو لم يحل البحر خصما بيني وبين تلك المرأة في ذلك اليوم الذي علمت فيه هذا المصاب، لهجمت عليها هجوم العقبان الكاسرة وأغمدت خنجرا في صدرها.
اضطرب المركيز وقد رأى الانتقام يتقد في عينيها، ولكنها لم تقل هذا القول حتى عادت إلى الابتسام، وقالت: لا تخشى على امرأتك، فقد أصبحت اليوم غير ما كنت فيه أمس، وصرت متمدنة بعد طول اختلاطي بالمتمدنين، أما الدم الهندي الذي يثور في عروقي ثورة البراكين، وذلك الانتقام الذي كنت أستحل معه قتل النفوس، فقد صرفته لنفسي فلا يتناول شره إلاي، غير أني أحببت أن أتزود بنظرة أخيرة قبل الموت، كي أقول لك إنك ممثل في فؤادي منذ نظرتك النظرة الأولى، ولم تبرح منه إلى الآن، وإني أحببتك اثني عشر عاما كنت تنام ملء جفنيك، ولم أكن أبيت ليلة من حبك إلا بليلة الملسوع.
ولم يكن مثل حبي لك إلا مثل تلك الأمراض الوبيلة التي لا ينجح فيها دواء، ولا سبيل في شفائها إلى حيلة طبيب، وقد أتى ذلك اليوم الذي طفح فيه كأس قنوطي، فرزحت تحت حملي الثقيل وكرهت الحياة، ولم يكن هذا اليوم غير يوم أمس. ثم أخرجت من صدرها زجاجة صغيرة فيها بقية من سائل أحمر، وقالت له: لقد شربت السم النقيع وسأموت بعد ثمانية أيام.
فاصفر وجه المركيز حين نظر إلى الزجاجة، وعلم أنه ذات السم الذي وصفه له روكامبول، فقال لابنة عمه بلهجة حنان صادقة: كلا أيتها الحبيبة، إنك لا تموتين وأنا أحمل هذا الحجر، وهو دواء السم الذي شربتيه، ثم أخذ يدها بين يديه وقال لها: اذكري أن أبوينا كانا أخوين متحابين، فلما لا نقتدي بهما بهذا الحب؟
فصاحت صيحة فرح، ولكن المركيز لم يمهلها أن تتكلم حتى أتم جملته، فقال: ألسنا أبناء هذين الأخوين؟ ألا يجب علي أن أحبك كما أحب أختي؟
فاصفر وجه الهندية، وانطفأ ذلك النور الذي اتقد في عينيها، وقالت: إنك قد جننت دون شك! أتعرض حب الإخاء على فتاة تنتحر ليأسها من الغرام؟ ألق بهذا الخاتم حيث شئت فإنه لا ينقذني من الموت لأني غير طامعة بالحياة.
فركع المركيز أمامها وقال لها: بربك ارجعي عن هذا القصد السيئ، واذكري ما بيننا من صلة النسب. - إني ذكرت هذا النسب وجعلتك وريثي الوحيد، بحيث تزيد ثروتك 30 مليونا بعد ثمانية أيام. - بالله لا تعيدي هذا القول، فإني لا أريد ملايينك بل حياتك.
ناپیژندل شوی مخ