وكأنها علمت ما كان يجول في نفسي، فمدت إلي يدها وقالت: إنك تراني في أتم عافية، إلا أنه لا يمر بي ثمانية أيام حتى أفارق هذه الحياة.
فذعرت وقلت: كيف ذلك؟
فأجلستني بقربها وقالت: أتعلم أيها الصديق السبب الذي رفضت من أجله هواك وقنعت بصداقتك؟ ذلك أنه ليس لي الآن من العمر إلا ثلاثين عاما، ولكنني أحببت وأنا في الخامسة عشرة من عمري حبا بلغت به حد القنوط، ولم أكن أنظر وأنا في الهند إلا لهذه العاصمة الفرنسية التي دفنت بها قلبي.
فدهشت لقولها وقلت: ألعل هذا الرجل الباريسي قد جن فتعامى عن هواك. - كلا، ولكنه أحب سواي. ثم تبسمت وقالت: أتعلم أيضا لماذا أتيت إلى باريس؛ إني أتيتها ورجائي أن أراه مطلق القياد، أو أراه مطلق القلب، ولكني علمت - وا أسفاه - أنه لا يزال يهواها، وعلمت أني لم يعد لي رجاء في الحياة.
فما تمالكت أن أخذت يدها وجعلت أغسلها بدموعي وأقول:
أتموتين هكذا في صباك
حلوة يفتن الجماد هواك
بالله سيدتي إلا ما رجعت عن هذا القصد السيئ، واشغلي نفسك عن ذلك الحب القديم. - لقد فات الأوان وقضي الأمر. ثم أخذت زجاجة صغيرة فارغة كانت على منضدة أمامها قائلة: لقد شربت عند الصباح ما كان في هذه الزجاجة، وهو سم زعاف.
فوقف المركيز وهو لا يملك نفسه من الاضطراب، فأجلسه روكامبول وقال له: أصغ يا سيدي لتتمة الحديث؛ فلقد قالت لي إن هذا السم بطيء التأثير، لا يحدث آلاما ولكنه يقتل بعد ثمانية أيام، وليس لهذا السم إلا دواء واحد، ولكنه لا يوجد في القارة الأوروبية لعدم وجود هذا السم فيها، فهو لا يوجد إلا في الهند، وعلى ذلك فقد أصبح موتي محتما لأنه لا يمكن إحضار الدواء من الهند في هذا الزمن الوجيز. وقد دعوتك إلي كي أودعك وداعا أبديا، ثم لأعهد إليك بقضاء مهمة أرجو أن لا يثقل قضاؤها عليك.
فقلت وأنا أجهش للبكاء: مري سيدتي بما تشائين. قالت: أريد أن أبعث بك إلى الرجل الذي أحببته وأنا أموت من أجله؛ كي تلتمس منه أن يحضر إلي، فإني أحب أن أتزود منه بنظرة قبل الموت.
ناپیژندل شوی مخ