فلما أتمت باكارا تلاوة الكتاب قالت الفيروزة: ألديك شك بعد ذلك بصدق حبي لفرناند؟ - نعم، ولو كان فرناند فقيرا كما كان عندما أحببته أنا، لعددت ردك الأموال إلى الفيكونت خير برهان، إلا أن فرناند واسع الثروة، وهو قد يعوض عليك أضعاف ما بذلته. - إن هذا قد يكون، ولكني لا أحبه لماله وهو ذا برهان آخر.
ثم دفعت إليها كتابا كانت مزمعة أن ترسله إلى فرناند، كتبت فيه ما يأتي:
صديقي المحبوب
إذا كنت قد رضيت بشروطي التي عرضتها عليك اليوم، ورضيت أن تحبني فقيرة معدمة لا مال لي سوى الغرام الصادق؛ فلا تزورني في منزلي بل في شارع بلانش نمرة 17.
الفيروزة
فما كادت باكارا تتم تلاوة الكتاب حتى نظرت إليها نظرة ملؤها الوعيد، ثم انقضت عليها انقضاض الصاعقة، وقبضت بيديها على عنقها وضغطت عليها ضغطا شديدا حتى أوشكت أن تخنقها؛ فصاحت الفيروزة صياح المختنق، أما باكارا فإنها خففت ضغطها وقالت لها: إن حياتك بين يدي، فاصدقي القول وإلا فإنك مائتة لا محالة.
فقالت الفيروزة وقد اعترت وجهها صفرة الموت: ماذا تريدين؟ - قولي الحقيقة، أتحبين فرناند؟ - لا أحبه حبا، بل أعبده عبادة. - إذن، فإني أمهلك دقيقة واحدة لتختاري فيها بين رجوعك عن حبه وبين الموت!
فقالت الفيروزة بعظمة دهشت لها باكارا: لا حاجة إلى المهلة فقد اخترت الموت، فإذا شئت فاقتليني، ولكن لتعلمي أنه يحبني فوق ما أحبه وأنه ينتقم لي.
فوقع هذا الكلام وقعا شديدا على باكارا؛ فأنت أنين المتوجع وأفلتت فريستها، لأنه خطر لها أن فرناند يموت بعدها إذا قتلتها لفرط حبه لها، ولكنها أرادت أن تجرب معها تجربة أخرى فقالت: لا تخافي الآن، فإني لا أقتلك لأنك تحبين فرناند، ولكني أقتلك دون إشفاق إذا لم تطيعيني مدة ساعة. - ماذا تريدين أن أصنع؟ - اقرعي الجرس ومري السائق أن يهيئ المركبة.
فامتثلت الفيروزة طائعة وهي تجهل ما تريد. أما باكارا فإنها أخذت الأوراق التي نثرتها الفيروزة من الغلاف، وفيها حجة المنزل والكتابان اللذان قرأتهما وألقتهما جميعا في النار، ثم نادت الخادمة وأمرتها أن تحضر لمولاتها قبعة ورداء، ولما عادت بهما ذهبت بالفيروزة إلى خارج المنزل وركبت وإياها المركبة التي أمرت بإعدادها، وأوعزت إلى السائق أن يسير إلى شارع بيسي، أي إلى المنزل الذي تقيم فيه باكارا، ولما وصلتا إليه دخلتا فذهبت باكارا إلى خزانتها؛ فأخرجت منها أوراقا مالية تبلغ قيمتها 160 ألف فرنك، وفيما هي تقفل الخزانة أقبلت إليها الفتاة اليهودية فقبلتها ونادت الخادمة وقالت لها: إني سأغيب يومين عن المنزل، فاحرصي على هذه الفتاة كل الحرص ولا تحرميها شيئا مما تطلبه. ثم ذهبت مع الفيروزة وأمرت سائق المركبة أن يسير بها إلى المسجل؛ فأجفلت الفيروزة وقالت: ما حاجتنا بالذهاب إلى المسجل؟ - إننا نذهب إليه لنسجل عنده عقد بيع منزلك. - ولكنه للفيكونت وليس لي.
ناپیژندل شوی مخ