6
وكانت الغرفة التي دخل إليها حقيرة الأثاث، تدل على أن صاحبتها حديثة العهد في مهنة الغواية، فسرح أندريا نظره فيها، ثم نظر مبتسما إلى تلك الفتاة التي كانت تنتظره فيها، وهي فتاة في مقتبل الشباب تناهز العشرين من العمر، وتجول بين عينيها ملامح الذكاء على جمال بارع وعينين تعرفان مصارع القلوب.
وحكاية هذه الفتاة أنها خرجت من المدرسة وهي في الخامسة عشرة من سنيها، فزوجها أهلها على الكره منها بشيخ عجوز، وأقامت معه على أحر من نار الغضى ثلاثة أعوام، ثم أفلتت من قيده كما يفلت العصفور من القفص، وانطلقت في سبيل الغي والضلال حتى أدركت أسرار هذه المهنة الشائنة.
وقد التقى بها أندريا وهو يبحث عن امرأة يستخدمها في سبيل مكائده، وهي تبحث عن رجل يحقق أطماعها الواسعة، فتعارفا وتواعدا على أن يزورها في منتصف الليل، دون أن يطلعها على شيء من مقاصده، ولما حان الموعد أقبل إليها كما قدمناه، وجلس أمامها قرب نار خفيفة، وجعل يفحص سماتها فحص المدقق الخبير، وهو معجب بجمالها النادر، وبما كان يتوسم فيها من مخائل الذكاء. وبعد وقت قصير قال: لقد آن لي أن أطلعك على مقاصدي، اعلمي قبل كل شيء أني واقف على أسرار حياتك، عالم بجميع ما تعانيه من الشقاء، فهل تريدين الخروج من هذا الشقاء واستبدال هذه الغرفة الحقيرة بقصر جميل في أشهر شوارع باريس؟
فبرقت أسرة عينيها وحسبت أنه فتن بجمالها، وقالت: ومن يأبي سكنى القصور؟ - هو قصر بديع في شارع مونسي تكتنفه حديقة غناء كان من قبل لفتاة مومس كان يلقبها عشاقها باسم باكارا، باتت تدعى الآن الأخت لويزا.
فضحكت ضحك الساخر وقالت: لقد عرفت من صواحبي شيئا من تاريخ هذه التائبة البلهاء، وما فعلت بقصرها، ألعلها تريد بيعه الآن؟ - كلا! فإنه لي بل لك إذا كنت ترغبين، وقد اشتريته بما فيه من الأثاث منذ ثلاثة أشهر بمائة ألف فرنك، وعينت فيه الخدم والخادمات، وأرسلت إليه الخيل والمركبات ...
فقاطعته تقول بصوت الوجل المضطرب: أتهديني كل هذا كما تقول؟ - هو لك إذا كنت توافقينني فيما أريد.
وضربت الأرض برجلها وقد نفد صبرها، ثم قالت بلهجة المتهكم: ماذا تبتغي مني؟ ألعلك عاشق لي !
فابتسم أندريا قائلا: لو أردت هذا الغرام لما حالت دونه مظاهري. - إنك تجاوزت عهد الشباب وبلغت الخمسين. - كلا، إني لم أبلغ الثلاثين، ولو أردت الغرام كما قلت لعرفت طريق قلبك بالرغم من هذه المظاهر. - ولكنك تجعل طريقك من هذا القصر. - بل بغير هذا القصر. - ربما، قد تكون منزلتك فوق منزلة البشر. - لنعد الآن إلى حديثنا، فقد قلت لك أني سأعطيك القصر وأعين لك الخدم والخادمات، وأهبك الخيل والمركبات، وأزيدك ألف فرنك أدفعها لك في كل شهر لنفقاتك الخاصة، ولكني سأعتمد عليك مقابل ذلك في كثير من الأمور الخطيرة. - إذن أنت تريد المضاربة بجمالي. - هو ذاك، فإني أطلب إليك غواية شاب تبلغ ثروته اثني عشر مليونا، غير أن غوايته ليست بالأمر اليسير؛ لأنه متزوج ويحب امرأته حب العشاق.
فقالت بلهجة الواثق: كن مطمئنا، سأنزع هذا الحب من قلبه. - إذن أمهلك ثلاثة أشهر. اسلبي أمواله وانهبي فؤاده كما تشائين على أن ترديه إلي خاملا مخبولا، وهذا كل ما أبتغيه. - والملايين؟ - هذا أمر خاص بي، وسنتفق عليها في غير هذا المقام لأني لا أكترث بها الآن! - ألا تخبرني عن اسم هذا الرجل؟ - نعم، فهو فرناند روشي.
ناپیژندل شوی مخ