فقال له روكامبول: ألم ترها بعد ذلك؟ - نعم، فقد رأيتها أمس، وهي تنتظر في باريس منذ يومين.
ثم تبسم ابتساما علم روكامبول من خلاله أن المركيزة فان هوب حكم عليها بالموت، وبيعت حياتها بخمسة ملايين فرنك.
وبعد ذلك قال له روكامبول: بقي أن أسألك سؤالا آخر، وهو ما شأن الأرملة مالاسيس معنا؟ - إنها عماد روايتنا، فإنها بالظاهر لا علاقة لها مع المركيزة فان هوب، ولكنها في الحقيقة يدها العاملة؛ وذلك أن زوج المركيزة صديق للدوق دي مايلي، عشيق الأرملة، وسيتزوجها إذا ترك وشأنه، ويحرم حفيده من إرثه. - أيهمك هذا الحفيد؟ - ولكنه يدفع على الأقل خمسمائة ألف فرنك إذا مات الدوق قبل أن يحرمه من الإرث. - ولكن ملايين الهندية أعظم من آلافه وخير لنا لو تجردنا لها. - هو ما تقول، ولكن لدينا أسبابا كثيرة تقضي علينا بالتجرد للأمرين؛ وذلك لأن المركيز وامرأته لا يعرفان حقيقة علائق الدوق الشيخ مع الأرملة، ولكنهما يعلمان فقط أنه هائم بها، وأن المركيزة تحب الأرملة حب الإخاء، وتحسب أنها من أعف النساء، فهي تتمنى أن تراها زوجة الدوق، غير أن هناك أمرا آخر، وهو أن المركيز شديد الغيرة على زوجته، وقد اتفق مرة أن حفيد الدوق الشيخ طمع بحب المركيزة ولم يفز بشيء، فبات المركيز يكرهه أشد الكره؛ ولذلك فإنه يتمنى أيضا أن يتزوج الدوق بالأرملة كي ينتقم بحرمان حفيده من الإرث.
وبهت روكامبول: أهذا كل ما تريد أن تقوله، فإني لم أفهم شيئا من هذه الألغاز، ولم أر شيئا من التحام المسألتين. - ستنجلي لك هذه الألغاز في المستقبل القريب، ولكنها منحصرة بكلمتين وهما: إن سقوط امرأتين متفقين أهون من سقوط امرأة واحدة، وذلك إذا أصيبت هذه الأرملة بسهام الغرام وهي تكاد تبلغ سن الكهولة، حيث يبلغ الغرام فيه إلى أقصى الحدود؛ فإنها تعترف بهذا الحب لصديقتها المركيزة، ومتى أحبت المركيزة شاروبيم الجميل، وهو من أعضاء جمعيتنا تقتدي بالأرملة وتبوح لها بهواها. - إن هذا لا ريب فيه، ولكن ...
فقطب أندريا حاجبيه قائلا: كفى ... لا أزيد حرفا على ما قلت.
ثم قام يريد الذهاب، فسأله روكامبول: بقيت مسألة مالية أرجو أن توضح لي أمرها. - قل. - إننا اتفقنا أن نقتسم ما نكسبه بجمعيتنا السرية، فيكون النصف لك والربع لي والربع الباقي لبقية الأعضاء، فهل تكون قسمة ملايين الهندية على هذه القاعدة؟ - بالتقريب، فإني سأعطيك مليونا، والأعضاء مليونا، وأبقي لنفسي ثلاثة ملايين!
فأحنى روكامبول رأسه دون أن يجيب، فأدرك أندريا استياءه وقال بلهجة المؤنب: أنسيت أني سأتزوج بامرأة أخي، وأن هذا الزواج يقتضي له كثير من النفقات؟
فابتسم روكامبول وقال له وقد رآه يهم بالذهاب: متى أراك؟ - بعد ثلاثة أيام! - ومتى أستبدل الخليلة القديمة بالجديدة؟ - متى عرفت أن تصبر!
ثم ودعه وخرج، فركب مركبة وسارت تقطع به شوارع باريس في تلك الليلة المدلهمة، حتى وصلت إلى عطفة شارع مونتمارتر فاستوقفها ونزل، ثم أطلق سراحها ومشى قليلا إلى أن وصل إلى بيت مرتفع، ونظر إلى نافذة الدور الأخير فرأى نورا ضعيفا ينبعث منها فقال: إنها لا تزال تنتظرني.
ثم تقدم إلى الباب وصعد إلى الدور الأول حتى بلغ إلى آخر بيت فيه، ولما طرقه سمع صوت فتاة من الداخل تقول: من الطارق؟ - هو الذي تنتظرينه. ففتحت له الباب ودخل.
ناپیژندل شوی مخ