فاستفزته الأنفة وقال: إن ذلك لا يكون؛ لأني لا أقبل شيئا مجانا على فقري، وإذا شئت أنعلت جوادك فكان ثمن النعل مقابل الأجرة. - رضيت، هات يدك.
وبسط لها كفه وجعلت تتأمل في باطنه بإمعان.
ويذكر القراء أن داغوبير كان قد وضع في إصبعه ذلك الخاتم الذي ائتمنه عليه الأب جيروم، وأنه قد سوده بالدخان كي يذهب لونه الذهبي ولا يستلفت الأنظار إليه.
غير أن النورية رأت الخاتم وتمعنت فيه خلسة، وعلمت لفورها أنه ليس من الحديد، كما أنها رأت آثار الشعار فيه فاتقدت عيناها ببارق الرجاء وقالت في نفسها: لا شك أن هذا الخاتم يتضمن سرا لا بد لي من الوقوف عليه.
وكانت من الدواهي الماكرات، فلم تظهر اكتراثا لهذا الخاتم وانصرفت إلى خطوط يد داغوبير وقالت له: إني أبدأ بوصف أخلاقك، فإنك حاد المزاج. - هو ذاك. - ولكنك طاهر القلب سليم النية.
وكانت تقول هذا القول بلهجة الثقة، غير أن داغوبير جعل يضحك لكلامها وقال لها: أبنعل جواد تهبينني هذه الهبات؟ إنك لا ريب كثيرة الكرم.
ثم قال: إني أفتخر بهذه الصفات. - وأنت ثابت الإرادة إذا عزمت على أمر لا تنثني عنه. - لقد صدقت. - ثم إنك ألوف حسن الوفاء لمن تحب، ولكن مزاجك يتغلب عليك أحيانا فتحزن من تحبه دون أن تريد.
وهنا ارتعش وذكر حنة وبكاءها فعاوده الانقباض. - هذه هي أخلاقك، أما مستقبلك فهو أنك ستغدو سعيدا ولكنك تلقى كثيرا من العثرات. - أنا أكون سعيدا؟ وكيف تأتيني هذه السعادة؟
وكانت النورية لا تزال تنظر في يده، ثم اضطربت فجأة وقالت له: ماذا أرى؟ - ماذا؟ - إن هذا محال. - ولكن ماذا رأيت؟
وظهرت على النورية علائم الاضطراب، ورأى أن اضطرابها أخذ بالتزايد فقال لها: قولي ماذا رأيت؟ - أرى أنك ستغدو من الأغنياء وتكون من النبلاء. - ما هذا المزاح؟ - لست أمزح، بل أقول الحقيقة، فإنك سوف تتقلد سيفا وتلبس الثياب المذهبة.
ناپیژندل شوی مخ