200

پیغام په الهیات او سیاست کې

رسالة في اللاهوت والسياسة

ژانرونه

ومع ذلك، فلما كنا لا نستطيع أن نبرهن عقلا على صحة أو بطلان المبدأ الأساسي للاهوت،

20

أعني أن خلاص البشر إنما يكون بالطاعة وحدها، فقد يعترض معترض قائلا: لم نعتقد ذلك؟ إن كنا نؤمن بهذه العقيدة إيمانا أعمى فنحن بدورنا نتصرف كالبلهاء المفتقرين إلى الحكمة. أما إذا بينا أنه يمكن البرهنة على هذا الأساس عقلا، ففي هذه الحالة يصبح اللاهوت جزءا من الفلسفة ولن يمكن فصله عنها. وردي على ذلك، هو أني أوافق تماما على أنه يستحيل كشف العقيدة الأساسية للاهوت بالنور الطبيعي، أو على الأقل لم يبرهن أحد على ذلك مطلقا، وبالتالي كان الوحي ضروريا إلى أقصى درجة. ومع ذلك، فإننا نستطيع أن نبرر قبولنا لهذه العقيدة الموحى بها بحيث يكون لدينا بشأنها يقين أخلاقي على الأقل. وأقول: إنه يقين أخلاقي لأننا لا نستطيع أن ندعي بشأنها يقينا أعظم مما وصل إليه الأنبياء أنفسهم عندما تلقوا الوحي الأول بهذه العقيدة. وقد كان يقين الأنبياء أخلاقيا خالصا كما بينا في الفصل الثاني من هذه الرسالة. وإذن فمن الخطأ البين أن يريد المرء إقامة سلطة الكتاب على براهين رياضية؛ ذلك لأن سلطة الكتاب تتوقف على سلطة الأنبياء، فلا يمكن إذن البرهنة عليها بحجج أقوى من تلك التي اعتاد الأنبياء استعمالها لإقناع الناس بسلطتهم، بل إن يقيننا نفسه بهذا الموضوع لا يمكن أن يرتكز على أي أساس سوى هذا الذي أقام عليه الأنبياء أنفسهم يقينهم وسلطتهم الخاصة. وقد بينا من قبل أن يقين الأنبياء قائم على دعائم ثلاث: (1) خيال خصب واضح. (2) آية. (3) وأخيرا، بوجه خاص، نفس تنزع إلى العدل والخير. ولم يقيموا يقينهم على دعائم أخرى، وبالتالي كانت هذه هي الدعائم الوحيدة التي أمكنهم بها البرهنة على سلطتهم للناس بالحديث المباشر في أثناء حياتهم، ولنا بكتاباتهم بعد مماتهم. على أن الدعامة الأولى (التخيل الخصب لبعض الأمور) لا يسري تأثيرها إلا على الأنبياء وحدهم، وبالتالي لا بد أن يكون يقين الآخرين في موضوع الوحي مركزا بأسره على الدعامتين الأخريين فقط: الآية والعقيدة. وهذا ما دعا إليه موسى صراحة؛ ففي سفر التثنية (الإصحاح، 8)

21

يأمر الشعب بطاعة كل نبي قدم آية صحيحة باسم الله، أما إذا تنبأ النبي بشيء خطأ، حتى لو فعل ذلك باسم الله، فيجب الحكم عليه بالموت، شأنه شأن من أراد إبعاد الناس عن سبيل الدين الصحيح، حتى لو كان قد دعم سلطته بالآيات وبخوارق الأفعال(انظر: التثنية، الإصحاح 13).

22

والنتيجة التي تترتب على ذلك هي أن النبي الصادق يتميز عن النبي الكاذب بالعقيدة وبالمعجزة، ومن يجتمع فيه هذان الشرطان يعترف به موسى نبيا صادقا ويأمر الناس بأن يطيعوه دون أن يخشوا منه خداعا، أما الأنبياء الكذبة فهم الذين يتنبئون خطأ ولو باسم الله أو يدعون لآلهة باطلة، ولو قاموا بمعجزات حقيقية. وعلى ذلك فعلينا بدورنا أن نؤمن بالكتاب لهذا السبب نفسه فحسب، وأعني به أن عقيدته مؤيدة بالآيات. وبما أننا نرى أن الأنبياء قد أوصوا حقيقة بالإحسان والعدل وفضلوهما على كل شيء آخر، يحق لنا أن نؤمن بأنهم لم يريدوا خداعنا عمدا، بل كانوا يتحدثون بإخلاص عندما دعوا إلى أن السعادة الروحية للبشر إنما تكون في الطاعة والإيمان. ولما كانوا قد أيدوا دعوتهم هذه بالآيات أيضا، فإن هذا كفيل بإقناعنا بأنهم كانوا جادين في حديثهم، وأنهم لم يكونوا يهذون عندما كانوا يتنبئون، ويزداد اقتناعنا قوة عندما نرى أن كل تعاليمهم الخلقية متفقة مع العقل؛ إذ إن الاتفاق التام بين كلام الله، الذي أعطاه الأنبياء، وكلام الله الذي يوجد في أعماق سرائرنا، أمر له أهميته القصوى، وبذلك تكون المعتقدات التي نستخلصها الآن من الكتاب، مماثلة في يقينها لتلك التي استخلصها اليهود من قبل من الكلام الذي سمعوه من النبي بالفعل. والواقع أننا قد بينا في نهاية الفصل الثاني عشر أن الدروس الأخلاقية، وكذلك معظم الروايات التاريخية في الكتاب قد وصلت إلينا دون تحريف. وإذن فعلى حين أنه لا يمكن البرهنة على العقيدة الأساسية التي يقوم عليها اللاهوت كله والكتاب ببرهان رياضي، فإن قبولنا لها أمر مشروع إلى أبعد حد. وإنه ليكون من خطأ الرأي حقا ألا تقبل عقيدة تؤيدها شهادات كل هذا العدد من الأنبياء، ويستطيع أولئك الذين لا تبلغ عقولهم مستوى رفيعا أن يجدوا فيها كل هذا العزاء، وينتج عنها نفع كبير للدولة، فضلا عن أن التسليم بها تسليما مطلقا لا يستتبع أي خطر أو خسارة. أقول: إن من خطل الرأي رفضها لا لشيء إلا لاستحالة البرهنة عليها رياضيا. فهل نحن نحرص دائما، عندما نود أن ننظم حياتنا بحكمة، على ألا نحكم على شيء بأنه حقيقة ما لم تغب عنه جميع أسباب الشك؟ أليست معظم أفعالنا حافلة بالمخاطر، مفتقرة إلى اليقين؟ إني لأعترف، فضلا عن ذلك، بأن من يرون تعارض الفلسفة واللاهوت فيما بينهما، ويرون بالتالي ضرورة استبعاد أحدهما من مملكته، وضرورة إلغاء أحدهما في سبيل الآخر، يكون تفكيرهم منطقيا مع نفسه عندما يطالبون بإقامة اللاهوت على أسس متينة ويحاولون إقامة البراهين الرياضية عليه؛ إذ إن من يرضى بإلغاء العقل وباحتقار جميع العلوم والفنون وبإنكار يقين العقل، لا بد أن يكون يائسا مخبولا. ومع ذلك، فإننا لا نستطيع أن نلتمس لهم أي عذر، ما داموا يلتجئون إلى العقل لهدم العقل ويبحثون عن دافع يقيني لإنكار يقين العقل، وعندما يحاولون بالبراهين الرياضية أن يثبتوا شرعية سلطة اللاهوت وحقيقته، وأن يقضوا على سلطة العقل والنور الطبيعي، أليسوا، بهذه المحاولة ذاتها، يدفعون اللاهوت إلى الاعتراف بسيادة العقل؟ ألا يبدو أنهم يفترضون أن سلطة اللاهوت تستمد كل وضوحها من العقل ومن النور الفطري؟ أما إذا ادعوا على العكس من ذلك، أنهم لا يعتمدون إلا على الشهادة الباطنية للروح القدس، ولا يلتجئون إلى العقل إلا لإفحام الكافرين، فيجب ألا نثق بأقوالهم على الإطلاق، لأننا نستطيع أن نبرهن بسهولة على أنها صادرة عن أهوائهم وكبرهم. وقد بينا بوضوح تام في الفصل السابق أن الروح القدس لا توحي إلا بأعمال الخير التي سماها بولس لهذا السبب في الرسالة إلى أهل غلاطية ثمار الروح القدس (انظر: 5: 22)،

23

وأن هذه الروح ليست في ذاتها إلا الرضا الذي يشعر به الإنسان في قرارة نفسه عندما يؤدي أعمالا خيرة. أما حقيقة الأمور النظرية المحضة ويقينها فلا تشهد به أي روح، بل إن العقل وحده، كما بينا من قبل، هو صاحب السلطة في مملكة الحقيقة. فإذا ادعوا بأن روحا ما غير العقل هي التي تمنحهم يقين الحقيقة، فإنهم يتباهون كذبا، وتكشف أقوالهم عن حكمهم المسبق الباطل الذي تدفعهم إليه أهواؤهم، أو هم يخشون أن يفند الفلاسفة أقوالهم وأن يسخر الناس منهم، فيحتمون بالعالم المقدس ولكن دون جدوى؛ فأي معبد يمكن أن يكون ملجأ لمن يطعن في جلالة العقل؟ ولكن، حسبنا ما قلناه عنهم، إذ يكفي لإثبات رأيي أن أكون قد بينت السبب الذي يتحتم من أجله فصل الفلسفة عن اللاهوت، وأوضحت الماهية الأساسية لكل منهما، وبينت أن من المستحيل وضع أي منهما في خدمة الأخرى (إذ إن لكل منهما مملكته الخاصة، التي لا تتعارض مع الأخرى على الإطلاق)، وأخيرا كشفت كلما سنحت لي الظروف، عن المتناقضات التي تنتج عن خلط الناس على هذا النحو العجيب بين هذين المبحثين، وعدم قدرتهم على التمييز والفصل بينهما. وقبل أن أستمر في بحثي أود أن أنوه مرة أخرى

24 ⋆

ناپیژندل شوی مخ