ولهذا نكرر القول بأن المنهج الذي سار عليه في دعوته هذه يجلب الأخطار العظمى على البلاد الفرنساوية، لأننا - كما لا يخفى - شديدو الارتباط مع أربعة ملايين من المسلمين في بلاد الجزائر فقط، فضلا عن البلاد الأخرى، فلو نهضنا الآن لإثارة الدين النصراني على الدين الإسلامي لهيجنا خواطر المسلمين وغرسنا في قلوبهم بذور الحقد والضغينة علينا، وعرضنا أنفسنا للمكائد التي تكبدنا في السابق تأثيراتها السيئة.
يستنتج من جميع ما تقدم أنه لا يجمل بنا أن ندع أرباب الدين وقسس الملة المسيحية يتداخلون في أمور سياسية لا تعنيهم، وليس لها أدنى ارتباط بواجباتهم الدينية التي حقها أن لا تتجاوز جدران الكنيسة وزواياها، ولا أن نتركهم يرتبكون مع أقوام نسعى نحن في تحسين علاقاتنا معهم، وهم يبذلون الجهد في تكدير صفوها متذرعين بالنصرة للدين، وتكدير صفو العلاقات بيننا وبينهم في الحالة الحاضرة مما يعود علينا بالضرر.
هذا، وليتحقق القراء الكرام من أن جميع ما نسب للديانة الإسلامية من التهم والفظائع التي تنفر من سماعها الطباع وتأباها الأفكار السليمة، ليس لها خيال من الصحة أو ظل من الحقيقة، بل كلها أكاذيب وأباطيل يدحضها التاريخ.
ولم يكن الرق بالحالة التي هيجت أهل أوربا وأشعلت جذوة غضبهم وسخطهم إلا في البلاد السودانية التابعة للأمم النصرانية، أما في البلاد المستنيرة بنور القرآن الشريف، فهو أقل شدة وأقرب إلى المبادئ الإنسانية، فإذا أردنا - والحق يقال - أن نسعى في ملاشاته بالكلية، فالاستعانة بالوسائل الدينية لا تجدي نفعا.
ويجب على فرنسا تجاه هذه المسألة أن تختط طريقا غير تلك الطريق العقيمة، ولن تبلغ أمانيها من ذلك إلا بنشر المبادئ المحمدية بين رعاياها المسلمين، وبهذه الواسطة تنبث هذه المبادئ في عقول الوثنيين المجاورين لأملاكها ومستعمراتها، فتهدأ أمواج الاسترقاق وتسكن زوابعه.» ا.ه.
الملحق السادس
رأيت فصلا نشرته جريدة الأوبسرافوتور الفرنساوية تحت عنوان: «الإسلام والاسترقاق في عددها الصادر بتاريخ 10 نوفمبر سنة 1891، وهذا تعريبه:
إننا لنهتم في فرنسا اهتماما شديدا بإلغاء الاسترقاق من بلاد السودان، وقد عملنا أعمالا كثيرة لقمع هذه العادة البربرية التي ترتبت عليها النخاسة، ولا نزال نأتي بأعمال كثيرة بسبب انتظام إرسالياتنا، وتعضيد جنودنا بأفريقيا لها تعضيدا قويا.
ولكنا لم ننفرد بهذا العمل الإنساني، بل هناك أمم أخرى اقتدت بنا، ونسجت على منوالنا.
ولذلك نرى من المفيد النافع أن نقف على اجتهاد غيرنا في هذا الباب، فأما نحن فقد أسعدنا الحظ فاطلعنا على الخطبة التي ألقاها أحمد شفيق بك السكرتير الخصوصي لسعادة ناظر الخارجية على الجمعية الجغرافية الخديوية، وقد طبعها حضرته في كراسة على حدتها عنوانها «الرق في الإسلام»، وليس حضرته مجهولا عندنا، فقد أرسلته حكومته منذ نعومة أظفاره إلى باريس، فدأب على الاجتهاد حتى تحصل على أجل الأتعاب، وسبر غور المعارف التي يمكن إتحاف وطنه بها، واستفادة أهليه منها، وقد رجع إلى بلاده وهو الآن فيها في وظيفة سامية، وترك بين ظهرانينا حسن الذكرى، وجميل الأحدوثة، ولذلك فهو إنما يزيد في ميلنا لمصر وانجذابنا نحوها، ولو أننا نأسف على رؤيتها غير مستقلة تمام الاستقلال، ويجعلنا ننظر بزيادة الاهتمام إلى مليكها الحالي، وقد وفاه حقه من المدح والشكر، وعطر الأندية بما هو خليق به من آي الحمد والثناء.
ناپیژندل شوی مخ