وليس بخاف على أحد أن إنكلترة لم تسع في إلغاء الرقيق ولم تظهر نفسها في مظهر العدو الألد لهذه العادة الممقوتة إلا بسبب قلة اليد العاملة في مستعمراتها، وأن الكنيسة الكاثوليكية لما تحركت عواطفها الدينية بعامل التشيع والتعصب، جعلت مطمح أنظارها ومرمى نواياها إلغاء الاسترقاق من قارة أفريقيا، وكان لها من دراهم رعاياها التي امتلأت بها خزائنها أعظم نصير شد أزرها على مقاومة شريعة لها في بناء التمدن الحالي اليد البيضاء، وقد رميت زورا وإفكا بما هي براء منه، حتى إن الكردينال لافيجري زعم (أن المسلمين يعتقدون أن الزنجي ليس من العائلة البشرية والهيئة الاجتماعية الإنسانية، بل هو واسطة بين الإنسان والحيوانات العجم، وأنهم يعلمون هذه المعتقدات لأطفالهم ويبثونها في أذهانهم، بل ربما برهنوا لهم على أنه أخس مقاما من تلك الحيوانات).
ولقد تحققنا بالبراهين الدامغة أن الكردينال لافيجري قد استعمل في دعواه هذه طرق الغش والتدليس، ولكي يجتذب تعضيد الفرق الدينية ماديا وأدبيا قد برقش راية دعوته بصبغة الدين، فنهج منهجا مناقضا لطريقة تمثيل الحقائق بالصفة التي حقها أن تكون عليها، وربما عادت هذه الخطة بالعواقب الوخيمة على فرنسا التي يصح أن يطلق عليها أنها دولة إسلامية.
ولو نظرنا الآن إلى نتائج مساعي الكنيسة الكاثوليكية في طريق إبطال الرق لرأيناها على الضد مما كانت تومئ إليه مقدماتها، فإن جذوة الاسترقاق قد التهبت بدلا عن أن تخمد، واتسع نطاق دائرته عن ذي قبل، ولا غرابة في ذلك، لأن هذا المذهب الذي قام بالدعوة إليه نصراء الإنسانية غير مطابق لمقتضيات الطبيعة التي قضت أن يكون في الخليقة سيد حر وعبد رقيق، ولنا في تعاليم القديس توماس الذي اجتهد في نشرها البابا ليون الثالث عشر أعظم برهان على ما نقول، فإنه كان يقول لتلامذته: «إن فطرة الوجود قضت بأن يكون بعض الجنس البشري ملكا للبعض الآخر.» وكان يستند لذلك على النواميس الطبيعية والإلهية التي حتمت أن يكون موجود أقل من موجود ماديا وأدبيا، فيكون ذلك تابعا لهذا.
وهذا المسيو بوافييه أسقف مدينة مان قد استحسن في كتابة المسمى (بالنظامات الإلهية) عادة الاسترقاق، وصرح بأن الرقيق تجارة محللة، ولم يجسر أحد من علماء الدين أن يثير على كلامه غبار الاعتراض، وكذلك لم نجد من دافع عن العبيد أو ذب عن حقوقهم، حينما كان ملوكنا في القرن الثامن عشر يشترعون وجوب حرمان العبيد من التمتع بالمزايا والامتيازات التي يتنعم البيض في بحبوحتها.
وليس - على ما أظن - لكنيستنا دخل في إبطال الرق بأملاكنا الفرنساوية أو بالأملاك الأخرى التابعة للدول المختلفة، بل الفضل كل الفضل للثورة الفرنساوية التي جعلت المساواة من ضمن مبادئها وخصصت لها سطرا في قائمة مشروعها الإنساني.
أما المنهاج الذي اتبعه في شريعته النبي العربي محمد بن عبد الله
صلى الله عليه وسلم
مما يختص بالرقيق، فكان مناقضا لمشروع الكنيسة على خط مستقيم، وذلك لأنه في العصر الذي بعثه الله فيه برسالته إلى الخلق كان يصعب عليه التعرض لأمر حلا في أذواق الشرقيين عموما ، ومالوا إليه كل الميل، فبقي مستمرا مقبولا، ولكن كم من آية في القرآن الشريف أوصت بحسن معاملة الأرقاء وحضت على عتقهم، وأمرت السادة أن يعلموهم ويرقوا أذهانهم ويدلوهم على ما به سعادتهم في المستقبل، وأن يعتبروهم كأعضاء من عائلاتهم.
ومسألة العتق - كما لا يخفى - مما حتمه الدين الإسلامي على كل من تملك عبدا من العبيد، بحيث إن من يخالف ذلك يكون قد عرض نفسه للعقاب في الدار الآخرة، ولا يحتاج العتق في الشريعة الإسلامية إلى أصول معقدة وعقود مشكلة كما هو الشأن في القانون الروماني، بل يكفي في وقوعه صدور لفظ دال عليه من فم المالك ولو على سبيل المزاح.
ولقد جاءت طريقة إبطال الرق الآن موافقة كل الموافقة للشريعة الإسلامية، ولذلك رضيها وعضدها الملوك والأمراء المسلمون؛ مثل سلطان زنجبار والخليفة الأعظم أمير المؤمنين وغيرهما، لأنها لم تخرج عما أمرت به الديانة الإسلامية، فأي ذي ملكة وعقل يعضد لافيجري في مزاعمه التي قام بنشرها بعد أن علم أن الدين الإسلامي غايته من الرق إنقاذ العبيد من حضيض التوحش إلى ذروة التمدن!
ناپیژندل شوی مخ